- عربي - نصوص الآيات عثماني : ۞ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسْتَحْىِۦٓ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلْفَٰسِقِينَ
- عربى - نصوص الآيات : ۞ إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ۚ فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ۖ وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ۘ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ۚ وما يضل به إلا الفاسقين
- عربى - التفسير الميسر : إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما، قلَّ أو كثر، ولو كان تمثيلا بأصغر شيء، كالبعوضة والذباب ونحو ذلك، مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه، وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار، وتمييز المؤمن من الكافر؛ لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه، ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
- السعدى : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
يقول تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا } أي: أيَّ مثل كان { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } لاشتمال الأمثال على الحكمة, وإيضاح الحق, والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة. { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال. ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } أي: الخارجين عن طاعة الله; المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم; فلا يبغون به بدلا، فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة. والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان; كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } [الآية].
- الوسيط لطنطاوي : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
روى الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس أن الله - تعالى - لما أنزل قوله - تعالى - ( إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ ) وقوله - تعالى - : ( مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً ) لما نزل قال المشركون : أرأيتم أي شيء يصنع بهذا؟! فأنزل الله ( إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا . . . ) .
وروي عن الحسن وقتادة أن الله لما ذكر الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب بهما المثل ضحك اليهود وقالوا : ما يشبه أن يكون هذا من كلام الله! فأنزل الله هذه الآية ( إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى ) . إلخ .
وقال السدي : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين ، يعني قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً . . . ) وقوله تعالى : ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء ) قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال! فأنزل الله هذه الآية :
ويبدوا أن الآية الكريمة قد نزلت للرد على جميع تلك الفرق الضالة ، فقد قرر العلماء أن لا مانع من تعدد أسباب النزول للآية الواحدة أو للطائفة من الآيات .
والاستحياء والحياد واحد ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استقدم واستأجر واستجاب . وهو في أصل اللغة انقباض النفس وانكسارها من خوف ما يعاب به ويذم . وهذا المعنى غير لائق بجلال الله ، لذا ذهب جمع من المفسرين إلى تأويله بإرادة لازمة ، وهو ترك ضرب الأمثال بها .
والمعنى : إن الله لا يترك أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ، وإطلاق الفعل كالاستحياء على ما يترتب عليه كترك الفعل ، مألوف فى الكلام البليغ حيث يكون المراد واضحاً .
ومذهب السلف : إمرار هذا وأمثاله على ما ورد ، وتفويض علم كنهه وكيفيته إلى الله - تعالى - مع وجوب تنزيهه عما لا يليق بجلاله من صفات المحدثات .
أي : ليس الحياء بمانع لله - تعالى - من ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الصغيرة في نظركم؛ كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فإن فيها من دلائل القدرة ، وبدائع الصنعة ما تحار فيه العقول ، ويشهد بحكمة الخالق .
والمثل فى اللغة : الشبيه . وهو في عرف القرآن : الكلام البليغ المشتمل على تشبيه بديع ، كالمثلين السابقين اللذين ضربهما الله في حال المنافقين؛ أو وصف غريب نحو قوله تعالى : ( ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ ) وضرب المثل : إيراده ، وعبر عن إيرادته بالضرب ، لشدة ما يحدث عنه من التأثير في نفس السامع .
و ( ما ) في قوله ( مَثَلاً مَّا ) هي ما الإِبهامية ، تجيء بعد النكرة فتزيدها شيوعاً وعموماً ، كقولك : أعطني كتاباً ما ، أي كتاب كان .
والبعوضة واحدة البعوض وهي حشرة صغيرة تطلق على الناموس وهي بدل أو بيان من قوله ( مَثَلاً ) .
وقوله : ( فَمَا فَوْقَهَا ) عطف على بعوضة ، والمراد فما فوقها في الحجم كالذباب والعنكبوت ، والكلب والحمار ، أو فما فوقها في المعنى الذي وقع التمثيل فيه ، وهو الصغر والحقارة كجناحها أو كالذرة .
قال صاحب الكشاف : سيقت هذه الآية لبيان أن ما استنكره الجهلة والسفهاء وأهل العناد والمراء من الكفار واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء مضروباً بها المثل ، ليس بموضع للاستنكار والاستغراب ، من جهة أن التمثيل إنما يصار إليه ملا فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب ، وإدناء المتوهم من المشاهد . . وأن لله - تعالى - أن يتمثل للأنداد وحقارة شأنها بما لا شيء أصغر منه وأقل ، كما لو تمثل بالجزء الذي لا يتجزأ أو بما لا يدركه لتناهيه فى صغره إلا هو وحده . . وقوله : ( فَمَا فَوْقَهَا ) فيه معنيان :
أحدهما : فما تجاوزهما وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة نحو قولك لمن يقول : فلان أسفل الناس وأنذلهم ، هو فوق ذلك ، تريد هو أعرق فيما وصف من السفالة والنذالة .
والثاني : فيما زاد عليها في الحجم كأنه قصد بذلك رد ما استنكروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من البعوضة .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك موقف الناس أمام هذه الأمثال فقال :
( فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ ) .
أما حرف مفيد للشرط والتفصيل والتأكيد ، أما الشرط فلوقوع الفاء في جوابها ، وأما التفصيل فلوقوعها بعد مجمل مذكور أو مقدر ، وأما التأكيد فلأنك إذا قلت : زيد ذاهب ، ثم قصدت تأكيد ذلك وإفادة أن ذهابه واقع لا محالة قلت : أما زيد فذاهب .
والضمير في قوله ( أَنَّهُ ) يعود على المثل ، أو على ضربه المفهوم من قوله : ( أَن يَضْرِبَ مَثَلاً ) .
والحق : خلاف الباطن ، وهو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره .
ووجه كون المثل أو ضربه حقاً ، أنه يوضح المبهم ، ويفصل المجمل ، فهو وسيلة إلى تقرير الحقائق وبيانها .
ووجه تفصيل الناس في هذه الآية إلى قسمين ، أنهم بالنسبة إلى التشريع والتنزيل كذلك ، فهم مؤمن أو كافر .
والمقصود من ذكر المؤمنين هنا الثناء عليهم بثبات إيمانهم ، وتيئيس الذين أرادوا تشكيكهم ببيان أن إيمانهم يحول بينهم وبين الشك .
وعبر في جانب المؤمنين بيعلمون تعريضاً بأن الكافرين إنما قالوا ما قالوا عناداً ومكابرة ، وأنهم يعلمون أن ذلك تمثيل أصاب المحز .
وقال : ( أَنَّهُ الحق ) معرفاً بأل ، ولم يقل : أنه حق للمبالغة في حقية المثل .
ومن المعروف في علم البيان أن الخبر قد يؤتى به معرفاً بأل ، للدلالة على أن المخبر عنه بالغ في الوصف الذي أخبر به عنه مرتبة الكمال .
وقوله : ( مِن رَّبِّهِمْ ) حال من الحق ، ومن ابتدائية ، أي : إنه هذا الكلام وارد من الله ، لا كما زعم الذين كفروا أنه مخالف للصواب ، فهو مؤذن بأنه من كلام الخالق الذي لا يقع منه الخطأ .
ثم بين - سبحانه - موقف الكافرين من هذه الأمثال عندما تتلى عليهم فقال :
( وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ) .
كلمة ( مَاذَآ ) مركبة من ما الاستفهامية وذا اسم الإِشارة ، غير أن العرب توسعوا فيها فاستعملوها اسم استفهام مركباً من كلمتين ، وذلك حيث يكون المشار إليه معبراً عنه بلفظ آخر غير الإشارة ، حتى تصير الإِشارة إليه مع التعبير عنه بلفظ آخر لمجرد التأكيد نحو : ماذا التواني؟ أو حيث لا يكون للإِشارة موقع كقوله تعالى : ( وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بالله واليوم الآخر ) وقد يتوسعون فيها توسعاً أٌوى فيجعلون ذا اسم موصول ، وذلك حين يكون المسئول عنه معروفاً للمخاطب بشيء من أحواله ، فلذلك يجرون عليه جملة أو نحوها هي صلة ويجعلون ذا موصولا نحو ( مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ) ونحو ( مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ) أي : ما الذي أراده الله بهذا المثل .
والإِرادة في أصل اللغة : نزوع النفس إلى الفعل ، وإذا أسندت إلى الله دلت على صفة له تتعلق بالممكنات ، فيترجح بها أحد وجهي المقدور ، وقد كان جائز الوقوع وعدم الوقوع .
وقوله : ( مَثَلاً ) واقع في موقع التمييز لاسم الإِشارة " هذا " كقولك لمن أجاب بجواب غير مقبول . ماذا أردت بهذا جواباً؟
والاستفهام الذي حكاه القرآن على ألسنة هؤلاء الكافرين ، المقصود به الإِنكار والتحقير لهذه الأمثال ، ولأن يكون الله - تعالى - قد ضربها للناس .
والمعنى : فأما المؤمنون الذين من عادتهم الإِنصاف ، والنظر في الأمور بنظر العقل واليقين ، فإنهم إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل علموا أنه الحق الذي لا تمر الشبهة بساحته ، وأما الكافرون فإنهم لانطماس بصيرتهم ، وتغلب الأحقاد على قلوبهم فإنهم إذا سمعوا ذلك عاندوا وكابروا وقابلوه بالإِنكار .
ثم ساق - سبحانه - جملتين بين فيهما الحكمة من ضرب الأمثال فقال : ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) .
فقد دلت هاتان الجملتان على أن العلم يكون المثل حقاً ، مما يزداد به المؤمنون رشداً على رشدهم ، وأن إنكاره ضلال يزداد به الكافرون تخبطاً في ظلمات جهلهم .
ووصف كلا من فريقي المؤمنين والمنكرين له بالكثرة مع أن المهتدين وصفوا بالقلة كثيرا كما في قوله : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ) وذلك لأن أهل الهدى كثيرون في أنفسهم ، وإذا وصفوا بالقلة فبالقياس إلى أهل الضلال ، وأيضاً فإن القليل من أهل الهدى كثير في الحقيقة ، وإن قلوا في الصورة ، فوصفوا بالكثرة ذهاباً إلى هذه الحقيقة .
وقدم الإِضلال على الهداية ، ليكون أول ما يقرع أسماع المبطلين عن الجواب أمراً فظيعاً يسوءهم ويفت في أعضادهم .
ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ) .
الفاسقون : جمع فاسق ، من الفسق ، وهو في أصل اللغة : الخروج .
يقال : فسقت الرطبة من قشرها . أي : خرجت منه ، وشرعاً ، الخروج عن طاعة الله ، فيشمل الخروج من حدود الإِيمان ، وهو الكفر ، ثم ما دون الكفر من الكبائر والصغائر ، ولكنه اختص في العرف بارتكاب الكبيرة ، ولم يسمع الفسق في كلام الجاهلية ، بمعنى الخروج عن الطاعة فهو بهذا المعنى من الألفاظ الإِسلامية .
وقصر الإِضلال بالمثل على الفاسقين ، إيذان بأن الفسق هو الذي أعدهم لأن يضلوا به ، حيث إن كفرهم قد صرف أنظارهم عن التدبر فيه حتى أنكروه وقالوا : ماذا أراد الله بهذا مثلا .
- البغوى : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} سبب نزول هذه الآية أن الله تعالى لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت فقال: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له} [73-الحج]، وقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً} [41-العنكبوت]، قالت اليهود: "ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟" وقيل: قال المشركون: "إنا لا نعبد إلهاً يذكر مثل هذه الأشياء"، فأنزل الله تعالى: {إن الله لا يستحيي} أي لا يترك ولا يمنعه الحياء {أن يضرب مثلاً} يذكر شبهاً، {ما بعوضة} ما: صلة، أي مثلاً بالبعوضة، وبعوضة نصب بدل عن المثل.
والبعوض صغار البق سميت بعوضة كأنها بعض البق.
{فما فوقها} يعنى الذباب والعنكبوت، وقال أبو عبيدة: "أي فما دونها كما يقال وفوق ذلك أي وأجهل".
{فأما الذين آمنوا} بمحمد والقرآن.
{فيعلمون أنه} يعني: المثل هو
{الحق} الصدق.
{من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً} أي بهذا المثل فلما حذف الألف واللام نصبه على الحال والقطع.
ثم أجابهم فقال: {يضل به} أي بهذا المثل.
{كثيراً} من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون ضلالاً.
والإضلال: هو الصرف عن الحق إلى الباطل.
وقيل: هو الهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا هلك.
{ويهدي به} أي بهذا المثل>
{كثيراً} من المؤمنين فيصدقونه.
{وما يضل به إلا الفاسقين} الكافرين، وأصل الفسق الخروج؛ يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها.
قال الله تعالى: {ففسق عن أمر ربه} [50-الكهف] أي خرج.
ثم وصفهم فقال:
- ابن كثير : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة عن ابن مسعود - وعن ناس من الصحابة : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين ، يعني قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ البقرة : 17 ] وقوله أو كصيب من السماء ) [ البقرة : 19 ] الآيات الثلاث ، قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله : ( هم الخاسرون )
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : لما ذكر الله العنكبوت والذباب ، قال المشركون : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ؟ فأنزل الله [ تعالى هذه الآية ] إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) .
وقال سعيد ، عن قتادة : أي : إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما ، قل أو كثر ، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة : ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها )
قلت : العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الآية مكية ، وليس كذلك ، وعبارة رواية سعيد ، عن قتادة أقرب والله أعلم . وروى ابن جريج عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة .
وقال ابن أبي حاتم : روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة .
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال : هذا مثل ضربه الله للدنيا ؛ إذ البعوضة تحيا ما جاعت ، فإذا سمنت ماتت . وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن ، إذا امتلؤوا من الدنيا ريا أخذهم الله تعالى عند ذلك ، ثم تلا فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) [ الأنعام : 44 ] .
هكذا رواه ابن جرير ، ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، بنحوه ، فالله أعلم .
فهذا اختلافهم في سبب النزول ، وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي ؛ لأنه أمس بالسورة ، وهو مناسب ، ومعنى الآية : أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي ، أي : لا يستنكف ، وقيل : لا يخشى أن يضرب مثلا ما ، أي : أي مثل كان ، بأي شيء كان ، صغيرا كان أو كبيرا .
و " ما " هاهنا للتقليل وتكون بعوضة ) منصوبة على البدل ، كما تقول : لأضربن ضربا ما ، فيصدق بأدنى شيء [ أو تكون " ما " نكرة موصوفة ببعوضة ] . واختار ابن جرير أن " ما " موصولة ، وبعوضة معربة بإعرابها ، قال : وذلك سائغ في كلام العرب ، أنهم يعربون صلة " ما " و " من " بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة ، ونكرة أخرى ، كما قال حسان بن ثابت :
وكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا
قال : ويجوز أن تكون " بعوضة " منصوبة بحذف الجار ، وتقدير الكلام : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها .
[ وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء . وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورويت " بعوضة " بالرفع ، قال ابن جني : وتكون صلة ل " ما " ، وحذف العائد كما في قوله : ( تماما على الذي أحسن ) [ الأنعام : 154 ] أي : على الذي أحسن هو أحسن ، وحكى سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي : يعني بالذي هو قائل لك شيئا ] .
وقوله : ( فما فوقها ) فيه قولان : أحدهما : فما دونها في الصغر ، والحقارة ، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح ، فيقول السامع : نعم ، وهو فوق ذلك ، يعني فيما وصفت . وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة ، قال الرازي : وأكثر المحققين ، وفي الحديث : لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .
والثاني : فما فوقها : فما هو أكبر منها ؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة . وهذا [ قول قتادة بن دعامة و ] اختيار ابن جرير .
[ ويؤيده ما رواه مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة ] .
فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة ، كما [ لم يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ] ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : ( ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) [ الحج : 73 ] ، وقال : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) [ العنكبوت : 41 ] وقال تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 24 - 27 ] ، وقال تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا ) الآية [ النحل : 75 ] ، ثم قال : ( وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ) الآية [ النحل : 76 ] ، كما قال : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ) الآية [ الروم : 28 ] . وقال : ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ) الآية [ الزمر : 29 ] ، وقد قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] وفي القرآن أمثال كثيرة .
قال بعض السلف : إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )
وقال مجاهد قوله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ، ويهديهم الله بها .
وقال قتادة : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ) أي : يعلمون أنه كلام الرحمن ، وأنه من عند الله .
وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك .
وقال أبو العالية : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ) يعني : هذا المثل : ( وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) كما قال في سورة المدثر : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [ المدثر : 31 ] ، وكذلك قال هاهنا : ( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين )
قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : ( يضل به كثيرا ) يعني : المنافقين ، ويهدي به كثيرا ) يعني المؤمنين ، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالهم لتكذيبهم بما قد علموه حقا يقينا ، من المثل الذي ضربه الله بما ضربه لهم ، وأنه لما ضربه له موافق ، فذلك إضلال الله إياهم به ويهدي به ) يعني بالمثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق ، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم ، لتصديقهم بما قد علموه حقا يقينا أنه موافق ما ضربه الله له مثلا وإقرارهم به ، وذلك هداية من الله لهم به وما يضل به إلا الفاسقين ) قال : هم المنافقون .
وقال أبو العالية : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) قال : هم أهل النفاق . وكذا قال الربيع بن أنس .
وقال ابن جريج عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) يقول : يعرفه الكافرون فيكفرون به .
وقال قتادة : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) فسقوا ، فأضلهم الله على فسقهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثت عن إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن عمرو بن مرة ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد يضل به كثيرا ) يعني الخوارج .
- القرطبى : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
قوله تعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا قال ابن عباس في رواية أبي صالح : لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين : يعني مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وقوله : أو كصيب من السماء قالوا : الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال ، فأنزل الله هذه الآية . وفي رواية عطاء عن ابن عباس قال : لما ذكر الله آلهة المشركين فقال : وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، قالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد ، أي شيء يصنع ؟ فأنزل الله الآية . وقال الحسن وقتادة : لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ، ضحكت اليهود وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله الآية .
و " يستحيي " أصله يستحيي ، عينه ولامه حرفا علة ، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت . واسم الفاعل على هذا : مستحي ، والجمع مستحيون ومستحيين . وقرأ ابن محيصن " يستحي " بكسر الحاء وياء واحدة ساكنة ، وروي عن ابن كثير ، وهي لغة تميم وبكر بن وائل ، نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ، ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت ، فحذفت إحداهما للالتقاء ، واسم الفاعل مستح ، والجمع مستحون ومستحين . قاله الجوهري . واختلف المتأولون في معنى يستحيي في هذه الآية فقيل : لا يخشى ، ورجحه الطبري ، وفي التنزيل : وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه بمعنى تستحي . وقال غيره : لا يترك . وقيل : لا يمتنع . وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح ، وهذا محال على الله تعالى . وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق . المعنى لا يأمر بالحياء فيه ، ولا يمتنع من ذكره .
قوله تعالى : أن يضرب مثلا ما يضرب معناه يبين ، وأن مع الفعل في موضع نصب بتقدير حذف من . ( مثلا ) منصوب ب " يضرب " . ( بعوضة ) في نصبها أربعة أوجه : الأول : تكون ( ما ) زائدة ، و ( بعوضة ) بدلا من مثلا . الثاني : تكون ( ما ) نكرة في موضع نصب على البدل من قوله : ( مثلا ) و ( بعوضة ) نعت لما ، فوصفت ما بالجنس المنكر لإبهامها لأنها بمعنى قليل ، قاله الفراء والزجاج وثعلب . الثالث : نصبت على تقدير إسقاط الجار ، المعنى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة ، فحذفت " بين " وأعربت بعوضة بإعرابها ، والفاء بمعنى إلى ، أي إلى ما فوقها . وهذا قول الكسائي والفراء أيضا ، وأنشد أبو العباس :
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ولا حبال محب واصل تصل
أراد ما بين قرن ، فلما أسقط " بين " نصب .
الرابع : أن يكون يضرب بمعنى يجعل ، فتكون بعوضة المفعول الثاني . وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج " بعوضة " بالرفع ، وهي لغة تميم . قال أبو الفتح : ووجه ذلك أن ما اسم بمنزلة الذي ، وبعوضة رفع على إضمار المبتدأ ، التقدير : لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا ، فحذف العائد على الموصول وهو مبتدأ . ومثله قراءة بعضهم : تماما على الذي أحسن ، أي على الذي هو أحسن . وحكى سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي هو قائل . قال النحاس : والحذف في " ما " أقبح منه في الذي ; لأن الذي إنما له وجه واحد والاسم معه أطول . ويقال : إن معنى ضربت له مثلا ، مثلت له مثلا . وهذه الأبنية على ضرب واحد ، وعلى مثال واحد ونوع واحد والضرب النوع . والبعوضة : فعولة من بعض إذا قطع اللحم ، يقال : بضع وبعض بمعنى ، وقد بعضته تبعيضا ، أي جزأته فتبعض . والبعوض : البق ، الواحدة بعوضة ، سميت بذلك لصغرها . قاله الجوهري وغيره .
قوله تعالى : فما فوقها قد تقدم أن الفاء بمعنى إلى ، ومن جعل ما الأولى صلة زائدة ف ( ما ) الثانية عطف عليها . وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما : معنى فما فوقها - والله أعلم - ما دونها ، أي إنها فوقها في الصغر . قال الكسائي : وهذا كقولك في الكلام : أتراه قصيرا ؟ فيقول القائل : أو فوق ذلك ، أي هو أقصر مما ترى . وقال قتادة وابن جريج : المعنى في الكبر .
والضمير في " أنه " عائد على المثل أي إن المثل حق . والحق خلاف الباطل . والحق : واحد الحقوق . والحقة ( بفتح الحاء ) أخص منه ، يقال : هذه حقتي ، أي حقي .
قوله تعالى : وأما الذين كفروا لغة بني تميم وبني عامر في : ( أما ) أيما ، يبدلون من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف ، وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة :
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأيما بالعشي فيخصر
قوله تعالى : فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا اختلف النحويون في ماذا ، فقيل : هي بمنزلة اسم واحد بمعنى أي شيء أراد الله ، فيكون في موضع نصب ب " أراد " . قال ابن كيسان : وهو الجيد . وقيل : " ما " اسم تام في موضع رفع بالابتداء ، و " ذا " بمعنى الذي وهو خبر الابتداء ، ويكون التقدير : ما الذي أراده الله بهذا مثلا ، ومعنى كلامهم هذا : الإنكار بلفظ الاستفهام . و " مثلا " منصوب على القطع ، التقدير : أراد مثلا ، قاله ثعلب . وقال ابن كيسان : هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال .
قوله تعالى : يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا قيل : هو من قول الكافرين ، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى . وقيل : بل هو خبر من الله عز وجل ، وهو أشبه ; لأنهم يقرون بالهدى أنه من عنده ، فالمعنى : قل يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا ، أي يوفق ويخذل ، وعليه فيكون فيه رد على من تقدم ذكرهم من المعتزلة وغيرهم في قولهم : إن الله لا يخلق الضلال ولا الهدى . قالوا : ومعنى يضل به كثيرا - التسمية هنا ، أي يسميه ضالا ، كما يقال : فسقت فلانا ، يعني سميته فاسقا ، لأن الله تعالى لا يضل أحدا . هذا طريقهم في الإضلال ، وهو خلاف أقاويل المفسرين ، وهو غير محتمل في اللغة ; لأنه يقال : ضلله إذا سماه ضالا ، ولا يقال : أضله إذا سماه ضالا ، ولكن معناه ما ذكره المفسرون أهل التأويل من الحق أنه يخذل به كثيرا من الناس مجازاة لكفرهم .
ولا خلاف أن قوله : وما يضل به إلا الفاسقين أنه من قول الله تعالى . والفاسقين نصب بوقوع الفعل عليهم ، والتقدير : وما يضل به أحدا إلا الفاسقين الذين سبق في علمه أنه لا يهديهم . ولا يجوز أن تنصبهم على الاستثناء ; لأن الاستثناء لا يكون إلا بعد تمام الكلام . وقال نوف البكالي : قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل : إلهي تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء . قال فقيل : يا عزير أعرض عن هذا لتعرضن عن هذا أو لأمحونك من النبوة ، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون . والضلال أصله الهلاك ، يقال منه : ضل الماء في اللبن إذا استهلك ، ومنه قوله تعالى : أئذا ضللنا في الأرض وقد تقدم في الفاتحة . والفسق أصله في كلام العرب الخروج عن الشيء ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها ، والفأرة من جحرها . والفويسقة : الفأرة ، وفي الحديث : خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا . روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه مسلم . وفي رواية ( العقرب ) مكان ( الحية ) . فأطلق صلى الله عليه وسلم عليها اسم الفسق لأذيتها ، على ما يأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى . وفسق الرجل يفسق ويفسق أيضا - فسقا وفسوقا ، أي فجر . فأما قوله تعالى : ففسق عن أمر ربه فمعناه خرج . وزعم ابن الأعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ، ولا في شعرهم فاسق . قال : وهذا عجب ، وهو كلام عربي حكاه عنه ابن فارس والجوهري .
قلت : قد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب " الزاهر " له لما تكلم على معنى الفسق قول الشاعر :
يذهبن في نجد وغورا غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا
والفسيق : الدائم الفسق ويقال في النداء : يا فسق ويا خبث ، يريد : يا أيها الفاسق ، ويا أيها الخبيث . والفسق في عرف الاستعمال الشرعي : الخروج من طاعة الله عز وجل ، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان .
- الطبرى : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أنـزل الله جل ثناؤه فيه هذه الآية وفي تأويلها.
فقال بعضهم بما:
554- حدثني به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي، في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لَما ضرَب الله هذين المثلين للمنافقين - يعني قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ، الآيات الثلاث - قال المنافقون: الله أعلى وأجلّ من أنْ يضرب هذه الأمثال، فأنـزل الله: " إن الله لا يستحي أنْ يضرب مثَلا ما بعوضةً" إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وقال آخرون بما:
555- حدثني به أحمد بن إبراهيم, قال: حدثنا قُرَاد، عن أبي جعفر الرازي, عن الرّبيع بن أنس, في قوله تعالى: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضةً فما فوقها ". قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا, إن البعوضة تحيا ما جاعتْ, فإذا سمنت ماتتْ. وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب الله لهم هذا المثل في القرآن: إذا امتلأوا من الدنيا رِيًّا أخذَهم الله عند ذلك. قال: ثم تلا فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [سورة الأنعام: 44] (29) .
556- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس بنحوه - إلا أنه قال: فإذا خلتْ آجالهم وانقطعت مُدّتهم (30) ، صاروا كالبعوضة تحيا ما جاعت، وتموت إذا رَويت، فكذلك هؤلاء الذين ضرب الله لهم هذا المثل، إذا امتلئوا من الدنيا ريًّا أخذهم الله فأهلكهم. فذلك قوله: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [سورة الأنعام: 44].
وقال آخرون بما:
557- حدثنا به بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد عن سعيد, عن قتادة، قوله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها "، أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكرَ منه شيئًا ما قل منه أو كثر (31) . إن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنـزل الله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ".
558- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: لما ذكر الله العنكبوت والذباب, قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنـزل الله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " (32) .
وقد ذهب كلّ قائل ممن ذكرنا قوله في هذه الآية، وفي المعنى الذي نـزلت فيه، مذهبًا؛ غير أنّ أولى ذلك بالصواب وأشبهه بالحقّ، ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عباس.
وذلك أنّ الله جلّ ذكره أخبر عباده أنه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضةً فما فوقها، عَقِيب أمثالٍ قد تقدمت في هذه السورة، ضربها للمنافقين، دون الأمثال التي ضربها في سائر السور غيرها. فلأن يكون هذا القول - أعني قوله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما " - جوابًا لنكير الكفار والمنافقين ما ضرب لهم من الأمثال في هذه السورة، أحقّ وأولى من أن يكون ذلك جوابًا لنكيرهم ما ضرب لهم من الأمثال في غيرها من السور.
فإن قال قائل: إنما أوْجبَ أن يكون ذلك جوابًا لنكيرهم ما ضرَب من الأمثال في سائر السور، لأن الأمثال التي ضربها الله لهم ولآلهتهم في سائر السور أمثالٌ موافقة المعنى لما أخبر عنه: أنه لا يستحي أن يضربه مثلا إذ كان بعضها تمثيلا لآلهتهم بالعنكبوت، وبعضها تشبيهًا لها في الضّعف والمهانة بالذباب. وليس ذكر شيء من ذلك بموجود في هذه السورة، فيجوزَ أنْ يقال: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا (33) .
فإن ذلك بخلاف ما ظنّ. وذلك أنّ قول الله جلّ ثناؤه: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها "، إنما هو خبرٌ منه جلّ ذكره أنه لا يستحي أن يضرب في الحقّ من الأمثال صغيرِها وكبيرِها، ابتلاءً بذلك عبادَه واختبارًا منه لهم، ليميز به أهل الإيمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به, إضلالا منه به لقوم، وهدايةً منه به لآخرين.
559- كما حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " مثلا ما بعوضة "، يعني الأمثال صغيرَها وكبيرَها, يؤمن بها المؤمنون, ويعلمون أنها الحق من ربهم, ويهديهم الله بها ويُضل بها الفاسقين. يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به, ويعرفه الفاسقون فيكفرون به.
560- حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حُذيفة, قال: حدثنا شِبْل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بمثله.
561- حدثني القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جُريج عن مجاهد، مثله (34) .
قال أبو جعفر:- لا أنه جلّ ذكره قصَد الخبرَ عن عين البعوضة أنه لا يستحي من ضرْب المثل بها, ولكن البعوضة لما كانت أضعف الخلق -
562- كما حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قتادة, قال: البعوضة أضعفُ ما خلق الله.
563- حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جُريج، بنحوه (35) .
- (36) خصها الله بالذكر في القِلة, فأخبر أنه لا يستحي أن يضرب أقلّ الأمثال في الحق وأحقرَها وأعلاها إلى غير نهاية في الارتفاع، جوابًا منه جل ذكره لمن أنكر من منافقي خلقه ما ضرَب لهم من المثل بمُوقِد النار والصيِّب من السماء، على ما نَعَتهما به من نَعْتهما.
فإن قال لنا قائل: وأين ذكر نكير المنافقين الأمثالَ التي وصفتَ، الذي هذا الخبر جوابه, فنعلم أنّ القول في ذلك ما قلت؟
قيل: الدلالة على ذلك بينة في قول الله تعالى ذكره (37) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا . وإن القوم الذين ضرَب لهم الأمثال في الآيتين المقدَّمتين - اللتين مثَّل ما عليه المنافقون مقيمون فيهما (38) ، بمُوقِد النار وبالصيِّب من السماء (39) ، على ما وصف من ذلك قبل قوله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا " - قد أنكروا المثل وقالوا: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ فأوضح لهم تعالى ذكره خطأ قِيلهم ذلك, وقبّح لهم ما نطقوا به، وأخبرهم بحكمهم في قيلهم ما قالوا منه, وأنه ضلال وفسوق, وأن الصواب والهدى ما قاله المؤمنون دون ما قالوه.
وأما تأويل قوله: " إن الله لا يستحيي"، فإن بعض المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى " إن الله لا يستحيي": إن الله لا يخشى أن يضرب مثلا ويستشهدُ على ذلك من قوله بقول الله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [سورة الأحزاب: 37]، ويزعم أن معنى ذلك: وتستحي الناسَ والله أحقُّ أن تستحيه - فيقول: الاستحياء بمعنى الخشية, والخشية بمعنى الاستحياء (40) .
وأما معنى قوله: " أن يضرب مثلا "، فهو أن يبيِّن ويصف, كما قال جل ثناؤه: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [سورة الروم: 28]، بمعنى وصف لكم, وكما قال الكُمَيْت:
وَذَلِــكَ ضَــرْبُ أَخْمَـاسٍ أُرِيـدَتْ
لأَسْــدَاسٍ, عَسَــى أَنْ لا تَكُونَــا (41)
بمعنى: وصف أخماس.
والمثَل: الشبه, يقال: هذا مَثَل هذا ومِثْله, كما يقال: شبَهُه وشِبْهه, ومنه قول كعب بن زهير:
كَـانَتْ مَوَاعِيـدُ عُرْقُـوبٍ لَهَـا مَثَلا
وَمَـــا مَوَاعِيدُهَــا إِلا الأَبَــاطِيلُ (42)
يعني شَبَهًا، فمعنى قوله إذًا: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا " : إن الله لا يخشى أن يصف شبهًا لما شبّه به (43) .
وأما " ما " التي مع " مثل "، فإنها بمعنى " الذي", لأن معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضةً في الصغر والقِلة فما فوقها - مثلا.
فإن قال لنا قائل: فإن كان القول في ذلك ما قلت (44) ، فما وجه نصب البعوضة, وقد علمتَ أنّ تأويل الكلام على ما تأولت (45) : أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا الذي هو بعوضة؛ فالبعوضةُ على قولك في محل الرفع؟ فأنى أتاها النصب؟
قيل: أتاها النصب من وجهين: أحدُهما، أن " ما " لما كانت في محل نصْب بقوله " يضرب "، وكانت البعوضة لها صلة، عُرِّبت بتعريبها (46) فألزمت إعرابها، كما قال حسان بن ثابت:
وَكَـفَى بِنَـا فَضْـلا عَـلَى مَنْ غَيْرِنَا
حُـــبُّ النَّبِــيِّ مُحَــمَّدٍ إِيَّانَــا (47)
فعُرِّبت " غيرُ" بإعراب " من ". والعرب تفعل ذلك خاصة في" من " و " ما " (48) ، تعرب صِلاتهما بإعرابهما، لأنهما يكونان معرفة أحيانًا، ونكرة أحيانًا.
وأما الوجه الآخر, فأن يكون معنى الكلام: إن الله لا يستحْيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها, ثم حذف ذكر " بين " و " إلى ", إذ كان في نصب البعوضة ودخول الفاء في" ما " الثانية، دلالة عليهما, كما قالت العرب: " مُطِرنا ما زُبالة فالثَعْلَبِيَّة " و " له عشرون ما ناقة فجملا "، و " هي أحسنُ الناس ما قرنًا فقدمًا "، يعنون: ما بين قرنها إلى قدمها (49) . وكذلك يقولون في كل ما حسُن فيه من الكلام دخول: " ما بين كذا إلى كذا ", ينصبون الأول والثاني، ليدلّ النصبُ فيهما على المحذوف من الكلام (50) . فكذلك ذلك في قوله: " ما بعوضة فما فوقها " (51) .
وقد زعم بعضُ أهل العربية أنّ " ما " التي مع المثَل صلةٌ في الكلام بمعنى التطوُّل (52) وأن معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضربَ بعوضةً مثلا فما فوقها. فعلى هذا التأويل، يجب أن تكون " بعوضةً" منصوبةً بـ " يضرب ", وأن تكون " ما " الثانية التي في" فما فوقها " معطوفة على البعوضة لا على " ما ".
وأما تأويل قوله " فما فوقها ": فما هو أعظم منها (53) -عندي- لما ذكرنا قبل من قول قتادة وابن جُريج: أن البعوضة أضعف خلق الله, فإذْ كانت أضعف خلق الله فهي نهايةٌ في القلة والضعف. وإذ كانت كذلك، فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء، لا يكون إلا أقوى منه. فقد يجب أن يكون المعنى ص[ 1-406 ]-على ما قالاه- فما فوقها في العظم والكبر, إذ كانت البعوضة نهايةً في الضعف والقلة.
وقيل في تأويل قوله " فما فوقها "، في الصغر والقلة. كما يقال في الرجل يذكرُه الذاكرُ فيصفه باللؤم والشحّ, فيقول السامع: " نعم, وفوقَ ذاك ", يعني فوقَ الذي وصف في الشحّ واللؤم (54) ، وهذا قولٌ خلافُ تأويل أهل العلم الذين تُرْتَضى معرفتهم بتأويل القرآن.
فقد تبين إذًا، بما وصفنا، أن معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يصف شبَهًا لما شبَّه به الذي هو ما بين بعوضةٍ إلى ما فوق البعوضة.
فأما تأويل الكلام لو رفعت البعوضة، فغير جائز في" ما "، إلا ما قلنا من أن تكون اسما، لا صلة بمعنى التطول (55) .
القول في تأويل قوله : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فأما الذين آمنوا "، فأما الذين صدّقوا الله ورسوله. وقوله: " فيعلمون أنه الحق من ربهم ". يعني: فيعرفون أن المثَل الذي ضرَبه الله، لِما ضرَبه له، مثَل.
564- كما حدثني به المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس: " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم "، أنّ هذا المثلَ الحقُّ من ربهم، وأنه كلامُ الله ومن عنده (56) .
565- وكما حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زُريع, عن سعيد, عن قتادة, قوله " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم "، أي يعلمون أنه كلامُ الرحمن، وأنه الحق من الله (57) .
" وأما الذين كفروا فيقولونَ ماذا أرَاد الله بهذا مثلا ".
قال أبو جعفر: وقوله " وأما الذين كفرُوا "، يعني الذين جحدوا آيات الله، وأنكرُوا ما عرفوا، وستروا ما علموا أنه حق، وذلك صفةُ المنافقين, وإياهم عَنَى الله جلّ وعز - ومن كان من نظرائهم وشركائهم من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم - بهذه الآية, فيقولون: ماذا أراد الله بهذا مثلا كما قد ذكرنا قبل من الخبر الذي رويناه عن مجاهد الذي:-
566- حدثنا به محمد عن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " فأما الذين آمنوا فيعلمونَ أنه الحقّ من ربهم " الآية, قال: يؤمن بها المؤمنون, ويعلمون أنها الحق من ربهم, ويهديهم الله بها، ويَضلّ بها الفاسقون. يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به, ويعرفه الفاسقون فيكفرون به (58) .
وتأويل قوله: " ماذا أراد الله بهذا مثلا "، ما الذي أراد الله بهذا المثل مثلا." فذا "، الذي مع " ما "، في معنى " الذي"، وأراد صلته, وهذا إشارةٌ إلى المثل (59) .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل وعز: " يضلّ به كثيرًا "، يضلّ الله به كثيرًا من خلقه. والهاء في" به " من ذكر المثل. وهذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدَأٌ, ومعنى الكلام: أن الله يُضلّ بالمثل الذي يضربه كثيرًا من أهل النفاق والكفر:-
567- كما حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي، في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " يضلّ به كثيرًا " يعني المنافقين," ويهدي به كثيرًا "، يعني المؤمنين (60) .
- فيزيد هؤلاء ضلالا إلى ضلالهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقًّا يقينًا من المثل الذي ضربه الله لما ضرَبه له، وأنه لما ضرَبه له موافق. فذلك إضْلال الله إياهم به. و " يهدي به "، يعني بالمثل، كثيرًا من أهل الإيمان والتصديق, فيزيدهم هدى إلى هُداهم وإيمانًا إلى إيمانهم. لتصديقهم بما قد علموه حقًّا يقينًا أنه موافق ما ضرَبه الله له مثلا وإقرارُهم به. وذلك هدايةٌ من الله لهم به.
وقد زعم بعضهم أنّ ذلك خبرٌ عن المنافقين, كأنهم قالوا: ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد، يضلّ به هذا ويهدي به هذا. ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله، فقال الله: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ . وفيما في سورة المدثر - من قول الله: وليقولَ الذينَ في قلوبهمْ مَرَضٌ والكافرونَ ماذا أرَاد الله بهذا مثلا. كذلك يُضلّ اللهُ مَن يشاءُ ويهدي من يشاء - ما ينبئ عن أنه في سورة البقرة كذلك، مبتدأٌ - أعني قوله: " يضلّ به كثيرًا ويهدي به كثيرًا ".
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26)
وتأويل ذلك ما:-
568- حدثني به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره, عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " وما يُضلّ به إلا الفاسقين "، هم المنافقون (61) .
569- وحدثنا بشر بن مُعاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: " وما يُضِلّ به إلا الفاسقين "، فسقوا فأضلَّهم الله على فِسقهم (62) .
570- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس: " وما يضل به إلا الفاسقين "، هم أهل النفاق (63) .
قال أبو جعفر: وأصلُ الفسق في كلام العرب: الخروجُ عن الشيء. يقال منه: فسقت الرُّطَبة إذا خرجت من قشرها. ومن ذلك سُمّيت الفأرةُ فُوَيْسِقة, لخروجها عن جُحرها (64) ، فكذلك المنافق والكافر سُمّيا فاسقيْن، لخروجهما عن طاعة ربهما. ولذلك قال جل ذكره في صفة إبليس: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف: 50]، يعني به خرج عن طاعته واتباع أمره.
571- كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة, قال: حدثني ابن إسحاق، عن داود بن الحُصين, عن عكرمة مولى ابن عباس, عن ابن عباس في قوله: بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [سورة البقرة: 59]، أي بما بعُدوا عن أمري (65) . فمعنى قوله: " وما يُضلّ به إلا الفاسقين "، وما يضلّ الله بالمثل الذي يضربه لأهل الضلال والنفاق، إلا الخارجين عن طاعته، والتاركين اتباعَ أمره، من أهل الكفر به من أهل الكتاب، وأهل الضّلال من أهل النفاق.
--------------------
الهوامش :
(29) الأثر 555-"قراد" بضم القاف وفتح الراء مخففة : لقب له ، واسمه"عبد الرحمن بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي ، الخزاعي" ، وهو ثقة ، وقال أحمد : "كان عاقلا من الرجال" . وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/2/274 .
(30) في المطبوعة : "خلى آجالهم" ، وفي المخطوطة"خلا" ، والصواب ما أثبته . وخلا العمر يخلو خلوا : مضى وانقضى .
(31) في المخطوطة : "شيئًا قل منه أو كثر" بحذف"ما" ، وفي ابن كثير"مما قل أو كثر" وكلها متقاربة .
(32) الآثار : 554 - 558 أكثرها في ابن كثير 1 : 117 ، وبعضها في الدر المنثور 1 : 41 ، والشوكاني 1 : 45 .
(33) في المطبوعة : "أن يضرب مثلا ما" ، وليست بشيء .
(34) الآثار : 559 - 561 ، وهي واحد كلها ، في الدر المنثور 1 : 42 ، والشوكاني 1 : 45 ، وسيأتي برقم : 566 .
(35) الأثر : 562 في الدر المنثور 1 : 41 .
(36) قوله : "خصها . . " جواب قوله آنفًا : " . . لما كانت أضعف الخلق" .
(37) في المطبوعة : "الدلالة على ذلك بينها جل ذكره في قوله" .
(38) قوله : "فيهما" متعلق بقوله"مثل" ، أي : اللتين مثل فيهما -ما عليه المنافقون مقيمون- بموقد النار . .
(39) في المطبوعة : "وبالصيب من السماء" .
(40) لم أعرف قائل هذا القول من المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب ، ولكني رأيت أبا حيان يقول في تفسيره 1 : 121 ، يزعم أن هذا المعنى هو الذي رجحه الطبري ، ومن البين أنه أخطأ فيما توهمه ، فإن لفظ الطبري دال على أنه لم يحقق معناه ، ولم يرضه ، ولم ينصره . هذا على أني أظن أن مجاز اللفظ يجيز مثل هذا الذي قاله المنسوب إلى المعرفة بلغة العرب ، وإن كنت أكره أن أحمل هذه الآية على هذا المعنى .
(41) هذا بيت استرقه الكميت استراقًا ، على أنه مثل اجتلبه . وأصله : أن شيخًا كان في إبله ، ومعه أولاده رحالا يرعونها ، قد طالت غربتهم عن أهلهم . فقال لهم ذات يوم : "ارعوا إبلكم ربعا" (بكسر فسكون : وهو أن تحبس عن الماء ثلاثًا ، وترد في اليوم الرابع) ، فرعوا ربعًا نحو طريق أهلهم . فقالوا : لو رعيناها خمسًا! (بكسر فسكون : أن تحبس أربعًا وترد في الخامس) فزادوا يومًا قبل أهلهم . فقالوا : لو رعيناها سدسًا! (أن تحبس خمسًا وترد في السادس) . ففطن الشيخ لما يريدون ، فقال : ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس ، ما همتكم رعيها ، إنما همتكم أهلكم! وأنشأ يقول :
وَذَلِـــكَ ضَــرْبُ أَخْمَــاسٍ أُرَاهُ,
لأَسْــدَاسٍ, عَسَــى أَنْ لا تَكُونَــا
فصار قولهم : "ضرب أخماس لأسداس" مثلا مضروبًا للذي يراوغ ويظهر أمرًا وهو يريد غيره .
وحقيقة قوله"ضرب : بمعنى وصف" ، أنه من ضرب البعير أو الدابة ليصرف وجهها إلى الوجه الذي يريد ، يسوقها إليه لتسلكه . فقولهم : ضرب له مثلا ، أي ساقه إليه ، وهو يشعر بمعنى الإبانة بالمثل المسوق . وهذا بين .
(42) ديوانه : 8 ، وفي المخطوطة : "وما مواعيده" ، وعرقوب -فيما يزعمون- : هو عرقوب ابن نصر ، رجل من العمالقة ، نزل المدينة قبل أن تنزلها يهود بعد عيسى ابن مريم عليه السلام . وكان يحتال في إخلاف المواعيد بالمماطلة ، كما هو معروف في قصته .
(43) هذا بقية تفسير الكلمة على مذهب من قال إن الاستحياء بمعنى الخشية ، لا ما أخذ به الطبري ، وتفسير الطبري صريح بين في آخر تفسير الآية .
(44) في المطبوعة : "كما قلت" .
(45) في المطبوعة : "على ما تأولت" ، وليست بجيدة .
(46) في المطبوعة"أعربت بتعريبها" . وقوله"عربت" : أي أجريت مجراها في الإعراب ، وهذا هو معنى"التعريب" في اصطلاح قدماء النحاة ، وستمر بك كثيرًا فاحفظها ، وهي أوجز مما اصطلح عليه المحدثون منهم .
(47) ليس في ديوانه ، ويأتي في الطبري 4 : 99 غير منسوب ، وفي الخزانة : 2 : 545 - 546 أنه لكعب بن مالك ، ونسب إلى حسان بن ثابت ولم يوجد في شعره . ونسب لبشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ونسب أيضًا لعبد الله بن رواحة . وذكره السيوطي في شرح شواهد المغني : 116 ، 252 ، وأثبت بيتا قبله :
نَصَــرُوا نَبِيَّهُــمُ بِنَصْــرِ وَلِيِّـهِ
فاللــه, عَــزَّ, بِنَصْــرِهِ سَــمَّانَا
قال : يعني أن الله عز وجل سماهم"الأنصار" ، لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن والاه . والباء في"بنصر وليه" ، بمعنى"مع" .
(48) في المطبوعة : "فالعرب تفعل . . . " .
(49) في المخطوطة : "يعنون بذلك من قرنها . . " .
(50) في المخطوطة : "ليدل النصب في الأسماء على المحذوف . . . " ، وهما سواء
(51) أكثر هذا من كلام الفراء في معاني القرآن 1 : 21 - 22 ، وذكر الوجهين السالفين جميعًا ، وكلامه أبسط من كلام الطبري وأبين .
(52) قد مضى قديمًا شرح معنى التطول (انظر : 18 ، 224 وما يأتي ص : 406 ، 154 من بولاق) ، وهو الزيادة في الكلام . وهذا الذي قال عنه : "زعم بعض أهل العربية" ، هو الفراء نفسه ، فقد ذكر هذا أول وجه من ثلاثة وجوه في الآية في معاني القرآن 1 : 21 ، وقال : "أولها : أن توقع الضرب على البعوضة ، وتجعل ما صلة ، كقوله : "عما قليل ليصبحن نادمين" ، يريد : عن قليل . المعنى -والله أعلم- : إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة فما فوقها مثلا" .
والذي يسميه الطبري البغدادي المذهب في النحو"تطولا" ، يسميه الفراء الكوفي المذهب في النحو"صلة" ، وهي الزيادة في الكلام .
(53) في المخطوطة : "فهو ما قد عظم منها" ، وهو خطأ بلا معنى .
(54) في المطبوعة : "فوق الذي وصف" . وهذا التأويل الذي ذكره الطبري ، قد اقترحه الفراء في معاني القرآن 1 : 20 - 21 وأبان عنه ، وقال : "ولو جعلت في مثله من الكلام"فما فوقها" ، تريد أصغر منها ، لجاز ذلك . ولست أستحبه" ، يعني : أنه لا يستحبه في هذا الموضع من تفسير كتاب الله .
(55) قد شرحنا معنى"صلة" و"تطول" فيما مضى ص : 405 .
(56) الأثر : 564- هو عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، كما مر كثيرًا ، وكذلك جاء في الدر المنثور 1 : 43 .
(57) الأثر 565- في ابن كثير 1 : 118 .
(58) الأثر 566- قد مضى برقم : 559 .
(59) في المطبوعة : "فذا مع ما في معنى . . "
(60) الخبر : 567- في ابن كثير 1 : 119 ، والدر المنثور 1 : 42 ، والشوكاني 1 : 45 ، وهو فيها تام متصل ، وتمامه الأثر الذي يليه : 568 . ولكن ابن كثير أخطأ ، فوصل هذا الخير بكلام الطبري الذي يليه ، كأنه كله من تفسير ابن عباس وابن مسعود ، وهو خطأ محض . فقول الطبري بعد"فيزيد هؤلاء ضلالا . . " هو من تمام قوله قبل هذا"أن الله يضل بالمثل الذي يضربه كثيرا من أهل النفاق والكفر" .
(61) الخبر 568- تمام الأثر السالف ، وقد ذكرنا موضعه .
(62) الأثر : 569- في ابن كثير 1 : 119 ، وفي الدر المنثور 1 : 42 ، والشوكاني 1 : 45 ، وفيهما مكان"على فسقهم" ، "بفسقهم" .
(63) الأثر : 570- في ابن كثير 1 : 119 .
(64) انظر الطبري 15 : 170 (بولاق) . وقوله : "يحكى عن العرب سماعًا : فسقت الرطبة من قشرها ، إذا خرجت . وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها" ، وسائر ما قال هناك .
(65) الخبر : 571- لم أجده في مكانه من تفسير آية البقرة ، ولا في أية آية ذكر فيها هذا الحرف . ولم يخرجه أحد ممن اعتمدنا ذكره . وفي المخطوطة : "من أمري" .
- ابن عاشور : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
قد يبدو في بادىء النظر عدم التناسب بين مساق الآيات السالفة ومساق هاته الآية ، فبينما كانت الآية السابقة ثناء على هذا الكتاب المبين ، ووصف حالي المهتدين بهديه والناكبين عن صراطه وبيان إعجازه والتحدي به مع ما تخلل وأعقب ذلك من المواعظ والزواجر النافعة والبيانات البالغة والتمثيلات الرائعة ، إذا بالكلام قد جاء يخبر بأن الله تعالى لا يعبأ أن يضرب مثلاً بشيء حقير أو غير حقير ، فحقيق بالناظر عند التأمل أن تظهر له المناسبة لهذا الانتقال ، ذلك أن الآيات السابقة اشتملت على تحدي البلغاء بأن يأتوا بسورة مثل القرآن ، فلما عجزوا عن معارضة النظم سلكوا في المعارضة طريقة الطعن في المعاني فلبسوا على الناس بأن في القرآن من سخيف المعنى ما ينزه عنه كلام الله ليصلوا بذلك إلى إبطال أن يكون القرآن من عند الله بإلقاء الشك في نفوس المؤمنين وبذر الخصيب في تنفير المشركين والمنافقين .
روى الواحدي في «أسباب النزول» عن ابن عباس أن الله تعالى لما أنزل قوله : { إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه } [ الحج : 73 ] وقوله : { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } [ العنكبوت : 41 ] قال المشركون أرأيتم أي شيء يصنع بهذا فأنزل الله : { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } وروي عن الحسن وقتادة أن الله لما ذكر الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب بها المثل ضحك اليهود وقالوا ما يشبه أن يكون هذا كلام الله فأنزل الله : { إن الله لا يستحي } الآية .
والوجه أن نجمع بين الروايتين ونبين ما انطوتا عليه بأن المشركين كانوا يفزعون إلى يهود يثرب في التشاور في شأن نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة بعد أن هاجر النبيء صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فيتلقون منهم صوراً من الكيد والتشغيب فيكون قد تظاهر الفريقان على الطعن في بلاغة ضرب المثل بالعنكبوت والذباب فلما أنزل الله تعالى تمثيل المنافقين بالذي استوقد ناراً وكان معظمهم من اليهود هاجت أحناقهم وضاف خناقهم فاختلقوا هذه المطاعن فقال كل فريق ما نسب إليه في إحدى الروايتين ونزلت الآية للرد على الفريقين ووضح الصبح لذي عينين .
فيحتمل أن ذلك قاله علماء اليهود الذين لا حظ لهم في البلاغة ، أو قد قالوه مع علمهم بفنون ضرب الأمثال مكابرة وتجاهلاً . وكون القائلين هم اليهود هو الموافق لكون السورة نزلت بالمدينة ، وكان أشد المعاندين فيها هم اليهود ، ولأنه الأوفق بقوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله } وهذه صفة اليهود ، ولأن اليهود قد شاع بينهم التشاؤم والغلو في الحذر من مدلولات الألفاظ حتى اشتهروا باستعمال الكلام الموجه بالشتم والذم كقولهم
{ رَاعنا } [ البقرة : 104 ] ، قال تعالى : { فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم } [ البقرة : 59 ] كما ورد تفسيره في «الصحيح» ولم يكن ذلك من شأن العرب .
وإما أن يكون قائله المشركون من أهل مكة مع علمهم بوقوع مثلِه في كلام بلغائهم كقولهم أَجرأُ من ذُبابة ، وأسْمَع من قُرادٍ ، وأطْيَشُ من فَراشة ، وأضعف من بَعُوضَة . وهذا الاحتمال أدَلُّ ، على أنهم ما قالوا هذا التمثيل إلا مكابرة ومعاندة فإنهم لما غُلبوا بالتحدي وعجزوا عن الإتيان بسورة من مثله تعلقوا في معاذيرهم بهاته السفاسف ، والمكابرُ يقول ما لا يعتقد ، والمحجوج المبهوت يستعوج المستقيم ويخفي الواضح ، وإلى هذا الثاني ينزع كلام صاحب «الكشاف» وهو أوفق بالسياق . والسورة وإن كانت مدنية فإن المشركين لم يزالوا يُلقون الشبه في صحة الرسالة ويشيعون ذلك بعد الهجرة بواسطة المنافقين . وقد دل على هذا المعنى قوله بعده : { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا } إلى قوله : { ويهدي به كثيراً } .
فإن قيل : لم يكن الرد عقب نزول الآيات الواقع فيها التمثيل الذي أنكروه فإن البدار بالرد على من في مقاله شبهة رائجة يكون أقطع لشبهته من تأخيره زماناً .
قلنا : الوجه في تأخير نزولها أن يقع الرد بعد الإتيان بأمثال معجبة اقتضاها مقام تشبيه الهيآت ، فذلك كما يمنع الكريم عدوه من عطاء فيلمزه الممنوع بلمز البخل ، أو يتأخر الكمي عن ساحة القتال مكيدة فيظنه ناس جبناً فيسرها الأول في نفسه حتى يأتيه القاصد فيعطيه عطاء جزلا ، والثاني حتى يكر كرة تكون القاضية على قرنه . فكذلك لما أتى القرآن بأعظم الأمثال وأروعها وهي قوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد } [ البقرة : 17 ] { أو كصيب } [ البقرة : 19 ] الآيات وقوله : { صم بكم عمي } [ البقرة : 18 ] أتى إثر ذلك بالرد عليهم فهذا يبين لك مناسبة نزول هذه الآية عقب التي قبلها وقد غفل عن بيانه المفسرون .
والمراد بالمثل هنا الشبه مطلقاً لا خصوص المركب من هيئة ، بخلاف قوله فيما سبق { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } لأن المعنىَّ هنا ما طعنوا به في تشابيه القرآن مثل قوله : { لن يخلقوا ذباباً } [ الحج : 73 ] وقوله : { كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } [ العنكبوت : 41 ] .
وموقع ( إنّ ) هنا بيِّن .
وأما الإتيان بالمسند إليه علماً دون غيره من الصفات فلأن هذا العلم جامع لجميع صفات الكمال فذكره أوقع في الإقناع بأن كلامه هو أعلى كلام في مراعاة ما هو حقيق بالمراعاة وفي ذلك أيضاً إبطال لتمويههم بأن اشتمال القرآن على مثل هذا المثل دليل على أنه ليس من عند الله فليس من معنى الآية أن غير الله ينبغي له أن يستحي أن يضرب مثلاً من هذا القبيل .
ولهذا أيضاً اختير أن يكون المسند خصوص فعل الاستحياء زيادة في الرد عليهم لأنهم أنكروا التمثيل بهاته الأشياء لمراعاة كراهة الناس ومثل هذا ضرب من الاستحياء كما سنبينه فنبهوا على أن الخالق لا يستحي من ذلك إذ ليس مما يستحي منه ، ولأن المخلوقات متساوية في الضعف بالنسبة إلى خالقها والمتصرف فيها ، وقد يكون ذكر الاستحياء هنا محاكاة لقولهم أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت .
فإن قلت : إذا كان استعمال هذه الألفاظ الدالة على معان حقيرة غير مخل بالبلاغة فما بالُنا نرى كثيراً من أهل النقد قد نقدوا من كلام البلغاء ما اشتمل على مثل هذا كقول الفرزدق :
من عِزّهم حجرَتْ كليبٌ بيتها ... زَرباً كأنهمُ لديهِ القُمَّل
وقول أبي الطيب :
أماتكمُ من قبل موتِكم الجهلُ ... وجركمُ من خفة بكمُ النمل
وقول الطرمّاح :
ولو أن بُرغوثاً على ظهر قملة ... يكرُّ على ضَبْعَيْ تميم لولَّت
قلت أصول الانتقاد الأدبي تؤول إلى بيان ما لا يحسن أن يشتمل عليه كلام الأديب من جانب صناعة الكلام ، ومن جانب صور المعاني ، ومن جانب المستحسن منها والمكروه وهذا النوع الثالث يختلف باختلاف العوائد ومدارك العقول وأصالة الأفهام بحسب الغالب من أحوال أهل صناعة الأدب ، ألا ترى أنه قد يكون اللفظ مقبولاً عند قوم غير مقبول عند آخرين ، ومقبولاً في عصر مرفوضاً في غيره ، ألا ترى إلى قول النابغة يخاطب الملك النعمان :
:فإنكَ كالليل الذي هو مُدْركي ... وإن خِلْتُ أن المُنْتَأَى عنك واسع
فإن تشبيه الملك بالليل لو وقع في زمان المولدين لعُدَّ من الجفاء أو العجرفة ، وكذلك تشبيههم بالحية في الإقدام وإهلاك العدو في قول ذي الإصبع :
عَذير الحي من عَدوَا ... نَ كانُوا حَيَّةَ الأرض
وقول النابغة في رثاء الحارث الغسّاني :
ماذا رُزِئْنا به من حيَّةٍ ذَكَرٍ ... نَضْنَاضَةٍ بالرزايا صِلّ أَصلاَلِ
وقد زعم بعض أهل الأدب أن عليًّا بن الجهم مدح الخليفة المتوكل بقوله :
أنت كالكلب في وفائك بالعه ... د وكالتيْس في قراع الخطوب
وأنه لما سكن بغداد وعلقت نضارة الناس بخياله قال في أول ما قاله :
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أَدري ولا أدري
وقد انتقد بشارٌ على كُثيِّر قوله :
ألا إنما ليلى عصا خيزُرانة ... إذا لمسوها بالأكُف تلينُ
فقال لو جعلها عصا مخ أو عصا زبد لما تجاوز من أن تكون عصا ، على أن بشاراً هو القائل :
إذا قامت لجارتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران
وشبَّه بشار عبدة بالحيَّة في قوله :
وكأنها لما مشت ... أَيْمٌ تأود في كثيبْ
والاستحياء والحياء واحد ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استقدم واستأخر واستجاب ، وهو انقباض النفس من صدور فعل أو تلقيه لاستشعار أنه لا يليق أو لا يحسن في متعارف أمثاله ، فهو هيئة تعرض للنفس هي من قبيل الانفعال يظهر أثرها على الوجه وفي الإمساك عن ما من شأنه أن يُفعل .
والاستحياء هنا منفي عن أن يكون وصفاً لله تعالى فلا يحتاج إلى تأويل في صحة إسناده إلى الله ، والتعللُ لذلك بأن نفي الوصف يستلزم صحة الاتصاف تعللٌ غير مسلم .
والضرب في قوله : { أن يضرب مثلاً } مستعمل مجازاً في الوضع والجعل من قولهم ضربَ خيمة وضرب بيتاً قال عبدة بن الطبيب :
إنَّ التي ضربتْ بيتاً مُهاجِرَةً ... بكوفةِ الجُندِ غالت ودَّها غُولُ
وقول الفرزدق :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتابُ المُنْزَلُ
أي جعل شيئاً مثلاً أي شبهاً ، قال تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } [ النحل : 74 ] أي لا تجعلوا له مماثلاً من خلقه فانتصاب { مثلاً } على المفعول به . وجوز بعض أئمة اللغة أن يكون فعل ضرب مشتقاً من الضرب بمعنى المماثل فانتصاب { مثلاً } على المفعولية المطلقة للتوكيد لأن مثلاً مرادف مصدر فعله على هذا التقدير ، والمعنى لا يستحي أن يشبِّه بشيء ما .
والمثل المثيل والمشابه وغلب على مماثلة هيئة بهيئة وقد تقدم عند قوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } [ البقرة : 17 ] وتقدم هناك معنى ضرب المثل بالمعنى الآخر وتنكير { مثلاً } للتنويع بقرينة بيانه بقوله { بعوضة فما فوقها } .
وما إبهامية تتصل بالنكرة فتؤكد معناها من تنويع أو تفخيم أو تحقير ، نحو لأمر ما وأعطاه شيئاً ما . والأظهر أنها مزيدة لتكون دلالتها على التأكيد أشد . وقيل اسم بمعنى النكرة المبهمة .
و { بعوضة } بدل أو بيان من قوله : { مثلاً } . والبعوضة واحدة البعوض وهي حشرة صغيرة طائرة ذات خرطوم دقيق تحوم على الإنسان لتمتص بخرطومها من دمه غذاء لها ، وتعرف في لغة هذيل بالخموش ، وأهل تونس يسمونه الناموس واحدته الناموسة وقد جعلت هنا مثلاً لشدة الضعف والحقارة .
وقوله : { فما فوقها } عطف على { بعوضة } ، وأصل فوق اسم للمكان المعتلي على غيره فهو اسم مبهم فلذلك كان ملازماً للإضافة لأنه تتميز جهته بالاسم الذي يضاف هو إليه فهو من أسماء الجهات الملازمة للإضافة لفظاً أو تقديراً ويستعمل مجازاً في المتجاوز غيره في صفة تجاوزاً ظاهراً تشبيهاً بظهور الشيء المعتلي على غيره على ما هو معتل عليه ، ففوق في مثله يستعمل في معنى التغلب والزيادة في صفة سواء كانت من المحامد أو من المذام يقال : فلان خسيس وفوق الخسيس وفلان شجاع وفوق الشجاع ، وتقول : أعطى فلان فوق حقه أي زائداً على حقه . وهو في هذه الآية صالح للمعنيين أي ما هو أشد من البعوضة في الحقارة وما هو أكبر حجماً . ونظيره قول النبيء صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة » رواه مسلم ، يحتمل أقل من الشوكة في الأذى مثل نَخْبة النملة كما جاءَ في حديث آخر ، أو ما هو أشد من الشوكة مثل الوخز بسكين وهذا من تصاريف لفظ فوق في الكلام ولذلك كان لاختياره في هذه الآية دون لفظ أقل ودون لفظ أقوى مثلاً موقع من بليغ الإيجاز .
والفاء عاطفة ( ما فوقها ) على ( بعوضة ) أفادت تشريكهما في ضرب المثل بهما ، وحقها أن تفيد الترتيب والتعقيب ولكنها هنا لا تفيد التعقيب وإنما استعملت في معنى التدرج في الرتب بين مفاعيل { أن يضرب } ولا تفيد أن ضرب المثل يكون بالبعوضة ويعقبه ضربه بما فوقها بل المراد بيان المثل بأنه البعوضة وما يتدرج في مراتب القوة زائداً عليها درجة تلي درجة فالفاء في مثل هذا مجاز مرسل علاقته الإطلاق عن القيد لأن الفاء موضوعة للتعقيب الذي هو اتصال خاص ، فاستعملت في مطلق الاتصال ، أو هي مستعارة للتدرج لأنه شبيه بالتعقيب في التأخر في التعقل كما أن التعقيب تأخر في الحصول ومنه : «رحم الله المحلقين فالمقصرين» .
والمعنى أن يضرب البعوضة مثلاً فيضرب ما فوقها أي ما هو درجة أخرى أي أحقر من البعوضة مثل الذرة وأعظم منها مثل العنكبوت والحمار .
{ فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً } .
الفاء للتعقيب الذكري دون الحصولي أي لتعقيب الكلام المفصل على الكلام المجمل عطفت المقدر في قوله : { لا يستحي } لأن تقديره لا يستحي من الناس كما تقدم ، ولما كان في الناس مؤمنون وكافرون وكلا الفريقين تلقى ذلك المثل واختلفت حالهم في الانتفاع به ، نشأ في الكلام إجمال مقدر اقتضى تفصيل حالهم . وإنما عطف بالفاء لأن التفصيل حاصل عقب الإجمال .
و ( أما ) حرف موضوع لتفصيل مجمل ملفوظ أو مقدر . ولما كان الإجمال يقتضي استشراف السامع لتفصيله كان التصدي لتفصيله بمنزلة سؤال مفروض كأن المتكلم يقول إن شئت تفصيله فتفصيله كيث وكيت ، فلذلك كانت أما متضمنة معنى الشرط ولذلك لزمتها الفاء في الجملة التي بعدها لأنها كجواب شرط ، وقد تخلو عن معنى التفصيل في خصوص قول العرب أما بعد فتتمحض للشرط وذلك في التحقيق لخفاء معنى التفصيل لأنه مبني على ترقب السامع كلاماً بعد كلامه الأول . وقدرها سيبويه بمعنى مهما يكن من شيء ، وتلقفه أهل العربية بعده وهو عندي تقدير معنى لتصحيح دخول الفاء في جوابها وفي النفس منه شيء لأن دعوى قصد عموم الشرط غير بينة ، فإذا جيء بأداة التفصيل المتضمنة معنى الشرط دل ذلك على مزيد اهتمام المتكلم بذلك التفصيل فأفاد تقوية الكلام التي سماها الزمخشري توكيداً وما هو إلا دلالة الاهتمام بالكلام ، على أن مضمونه محقق ولولا ذلك لما اهتم به وبهذا يظهر فضل قوله : { فأما الذين آمنوا فيعلمون } الخ على أن يقال فالذين آمنوا يعلمون بدون أما والفاء .
وجعل تفصيل الناس في هذه الآية قسمين لأن الناس بالنسبة إلى التشريع والتنزيل قسمان ابتداء مؤمن وكافر ، والمقصود من ذكر المؤمنين هنا الثناء عليهم بثبات إيمانهم وتأييس الذين أرادوا إلقاء الشك عليهم فيعلمون أن قلوبهم لا مدخل فيها لذلك الشك .
والمراد بالذين كفروا هنا إما خصوص المشركين كما هو مصطلح القرآن غالباً ، وإما ما يشملهم ويشمل اليهود بناء على ما سلف في سبب نزول الآية .
وإنما عبر في جانب المؤمنين بيعلمون تعريضاً بأن الكافرين إنما قالوا ما قالوا عناداً ومكابرة وأنهم يعلمون أن ذلك تمثيل أصاب المحز ، كيف وهم أهل اللسان وفرسان البيان ، ولكن شأن المعاند المكابر أن يقول ما لا يعتقد حسداً وعناداً .
وضمير ( أنه ) عائد إلى المثل .
و ( الحق ) ترجع معانيه إلى موافقة الشيء لما يحق أن يقع وهو هنا الموافق لإصابة الكلام وبلاغته . و ( من ربهم ) حال من ( الحق ) و ( من ) ابتدائية أي وارد من الله لا كما زعم الذين كفروا أنه مخالف للصواب فهو مؤذن بأنه من كلام من يقع منه الخطأ .
وأصل ( ماذا ) كلمة مركبة من ما الاستفهامية وذا اسممِ الإشارة ولذلك كان أصلها أن يسأل بها عن شيء مشار إليه كقول القائل ماذا مشيراً إلى شيء حاضر بمنزلة قوله ما هذا . غير أن العرب توسعوا فيه فاستعملوه اسم استفهام مركباً من كلمتين وذلك حيث يكون المشار إليه معبراً عنه بلفظ آخر غير الإشارة حتى تصير الإشارة إليه مع التعبير عنه بلفظ آخر لمجرد التأكيد ، نحو ماذا التواني ، أو حيث لا يكون للإشارة موقع نحو : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله } [ النساء : 39 ] ولذلك يقول النحاة إن ذا ملغاة في مثل هذا التركيب . وقد يتوسعون فيها توسعاً أقوى فيجعلون ذا اسم موصول وذلك حين يكون المسؤول عنه معروفاً للمخاطب بشيء من أحواله فلذلك يُجرون عليه جملة أو نحوَها هي صلة ويجعلون ذا موصولاً نحو : { ماذا أنزل ربكم } [ النحل : 24 ] وعلى هذين الاحتمالين يصح إعرابه مبتدأ ويصح إعرابه مفعولاً مقدماً إذا وقع بعده فِعل . والاستفهام هنا إنكاري أي جعل الكلام في صورة الاستفهام كناية به عن الإنكار لأن الشيء المنكر يستفهم عن حصوله فاستعمال الاستفهام في الإنكار من قبيل الكناية ، ومثله لا يجاب بشيء غالباً لأنه غير مقصود به الاستعلام . وقد يلاحظ فيه معناه الأصلي فيجاب بجواب لأن الاستعمال الكنائي لا يمنع من إرادة المعنى الأصلي كقوله تعالى : { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } [ النبأ : 1 ، 2 ] .
والإشارة بقوله : { بهذا } مفيدة للتحقير بقرينة المقام كقوله : { أَهذا الذي يذكر آلهتكم } [ الأنبياء : 36 ] .
وانتصب قوله : { مثلاً } على التمييز من ( هذا ) لأنه مبهم فحقَّ له التمييز وهو نظير التمييز للضمير في قولهم «رُبَّهُ رَجُلاً» .
{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين * الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الارض أولاائك هُمُ الخاسرون } .
بيان وتفسير للجملتين المصدرتين بأَما على طريقة النشر المعكوس لأن معنى هاتين الجملتين قد اشتمل عليهما معنى الجملتين السالفتين إجمالاً فإنَّ علم المؤمنين أنه الحق من ربهم هُدى ، وقولَ الكافرين { ماذا أراد الله } الخ ضلال ، والأظهر أن لا يكون قوله : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } جواباً للاستفهام في قول الذين كفروا { ماذا أراد الله بهذا مثلاً } لأن ذلك ليس استفهاماً حقيقياً كما تقدم .
ويجوز أن يجعل جواباً عن استفهامهم تخريجاً للكلام على الأسلوب الحكيم بحمل استفهامهم على ظاهره تنبيهاً على أن اللائق بهم أن يسألوا عن حكمة ما أراد الله بتلك الأمثال فيكون قوله : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } جواباً لهم وردا عليهم وبياناً لحال المؤمنين ، وهذا لا ينافي كون الاستفهام الذي قبله مكنى به عن الإنكار كما علمته آنفاً من عدم المانع من جمع المعنيين الكنائي والأصلي . وكونُ كلا الفريقين من المضلَّل والمهدى كثيراً في نفسه ، لا ينافي نحو قوله : { وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13 ] لأن قوة الشكر التي اقتضاها صيغة المبالغة ، أخصُّ في الاهتداء .
والفاسق لفظ من منقولات الشريعة أصله اسم فاعل من الفِسق بكسر الفاء ، وحقيقة الفسق خروج الثمرة من قشرها وهو عاهة أو رداءة في الثمر فهو خروج مذموم يعد من الأدواء مثل ما قال النابغة :
صِغار النوى مكنوزة ليس قِشْرُها ... إذا طار قِشْر التمر عنها بطائر
قالوا ولم يسمع في كلامهم في غير هذا المعنى حتى نقله القرآن للخروج عن أمر الله تعالى الجازم بارتكاب المعاصي الكبائر ، فوقع بعد ذلك في كلام المسلمين ، قال رؤبة يصف إبلاً :
فواسَقاً عن قَصْدهَا جوائراً ... يَهوين في نجد وغورٍ غائراً
والفسق مراتب كثيرة تبلغ بعضها إلى الكفر . وقد أطلق الفسق في الكتاب والسنة على جميعها لكن الذي يستخلص من الجمع بين الأدلة هو ما اصطلح عليه أهل السنة من المتكلمين والفقهاء وهو أن الفسق غيرُ الكفر وأن المعاصي وإن كثرت لا تزيل الإيمان وهو الحق ، وقد لقب الله اليهود في مواضع كثيرة من القرآن بالفاسقين وأحسب أنه المراد هنا وعزاه ابن كثير لجمهور من المفسرين .
وإسناد الإضلال إلى الله تعالى مراعى فيه أنه الذي مكن الضالين من الكسب والاختيار بما خلق لهم من العقول وما فصل لهم من أسباب الخير وضده . وفي اختيار إسناده إلى الله تعالى مع صحة إسناده لفعل الضال إشارة إلى أنه ضلال متمكن من نفوسهم حتى صار كالجِبلة فيهم فهم مأيوس من اهتدائهم كما قال تعالى : { ختم الله على قلوبهم } [ البقرة : 7 ] . فإسناد الإضلال إلى الله تعالى منظور فيه إلى خَلق أسبابه القريبة والبعيدةِ وإلا فإنَّ الله أمَر الناس كلهم بالهدى وهي مسألة مفروغ منها في علم الكلام .
وقوله : { وما يضل به إلا الفاسقين } إما مسوق لبيان أن للفسق تأثيراً في زيادة الضلال لأن الفسق يرين على القلوب ويكسب النفوس ظلمة فتتساقط في الضلال المرة بعد الأخرى على التعاقب ، حتى يصير لها دربة .
وهذا الذي يؤذن به التعليق على الوصف المشتق إن كان المراد به هنا المعنى الاشتقاقي ، فكأنه قيل هؤلاء فاسقون وما من فاسق إلا وهو ضال فما ثبت الضلال إلا بثبوت الفسق على نحو طريقة القياس الاقتراني ، وإما مسوق لبيان أن الضلال والفسق أخوان فحيثما تحقق أحدهما أنبأ بتحقق الآخر على نحو قياس المساواة إذا أريد من الفاسقين المعنى اللقبي المشهور فلا يكون له إيذان بتعليل ، وإما لبيان أن الإضلال المتكيف في إنكار الأمثال إضلال مع غباوة فلا يصدر إلا من اليهود وقد عرفوا بهذا الوصف .
والقول في مذاهب علماء الإسلام في الفسق وتأثيره في الإيمان ليس هذا مقام بيانه إذ ليس هو المقصود من الآية .
فإن كان محمل الفاسقين على ما يشمل المشركين واليهود الذين طعنوا في ضرب المثل كان القصر في قوله : { وما يضل به } الخ بالإضافة إلى المؤمنين ليحصل تمييز المراد من المضلل والمهتدى ، وإن كان محمل الفاسقين على اليهود كان القصر حقيقياً ادعائياً أي يضل به كثيراً وهم الطاعنون فيه وأشدهم ضلالاً هم الفاسقون ، ووجه ذلك أن المشركين أبعد عن الاهتداء بالكتاب لأنهم في شركهم ، وأما اليهود فهم أهل كتاب وشأنهم أن يعلموا أفانين الكتب السماوية وضرب الأمثال فإنكارهم إياها غاية الضلال فكأنه لا ضلال سواه .
- إعراب القرآن : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
«إِنَّ» حرف مشبه بالفعل. «اللَّهَ» لفظ الجلالة اسمها منصوب. «لا يَسْتَحْيِي» لا نافية ، يستحيي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. والجملة في محل رفع خبر إن. «أَنْ يَضْرِبَ» أن حرف مصدري ونصب ، يضرب فعل مضارع منصوب. وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف والتقدير من ضرب مثل ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. «مَثَلًا ما بَعُوضَةً» في إعرابها أقوال لعل أيسرها ، مثلا مفعول به. ما صفة ، بعوضة بدل من مثلا منصوب. «فَما» الفاء عاطفة ، ما اسم موصول مبني على السكون في محل نصب لأنه معطوف على بعوضة. «فَوْقَها» مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة ما. «فَأَمَّا» الفاء استئنافية ، أما أداة شرط وتفصيل وتوكيد. «الَّذِينَ» اسم موصول في محل رفع مبتدأ. «آمَنُوا» فعل ماض وفاعل. والجملة صلة الموصول. «فَيَعْلَمُونَ» الفاء رابطة للجواب يعلمون فعل مضارع وفاعل. والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم. «أَنَّهُ» حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها. «الْحَقُّ» خبرها. «مِنْ رَبِّهِمْ» جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الحق والتقديرمنزلا من ربهم. وأن واسمها وخبرها سد مسد مفعولي يعلمون. «وَأَمَّا» كأما الأولى. «الَّذِينَ» اسم موصول مبتدأ. «كَفَرُوا» فعل ماض وفاعل. والجملة صلة الموصول. «فَيَقُولُونَ» الفاء رابطة للجواب ، يقولون فعل مضارع وفاعل. والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها. «ما ذا» اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ أو ما اسم استفهام ، ذا اسم موصول خبر. «أَرادَ» فعل ماض. «اللَّهَ» لفظ الجلالة فاعل. «بِهذا» جار ومجرور متعلقان بأراد. «مَثَلًا» تمييز منصوب بالفتحة. وجملة «أَرادَ اللَّهُ» في محل رفع خبر. وجملة ماذا أراد اللّه في محل نصب مقول القول. «يُضِلُّ» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. «بِهِ» متعلقان بيضل. «كَثِيراً» مفعول به منصوب. والجملة استئنافية لا محل لها. «وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً» الواو عاطفة وإعرابها كسابقتها. والجملة معطوفة. «وَما» الواو استئنافية ، ما نافية. «يُضِلُّ» فعل مضارع. «بِهِ» متعلقان بيضل. «إِلَّا» أداة حصر. «الْفاسِقِينَ» مفعول به منصوب بالياء. والجملة استئنافية.
- English - Sahih International : Indeed Allah is not timid to present an example - that of a mosquito or what is smaller than it And those who have believed know that it is the truth from their Lord But as for those who disbelieve they say "What did Allah intend by this as an example" He misleads many thereby and guides many thereby And He misleads not except the defiantly disobedient
- English - Tafheem -Maududi : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ(2:26) Well, Allah is not ashamed to cite the similitude of a gnat or of something even more insignificant than this *28 . As for those who believe, they come to know from the same similitude that it is the Revelation from their Lord; but those who disbelieve, say, "What does Allah mean by such similitudes?" *29 Allah leads astray many and guides many to the right way by the same thing *30 . And He leads astray only those who disobey Allah;
- Français - Hamidullah : Certes Allah ne se gêne point de citer en exemple n'importe quoi un moustique ou quoi que ce soit au-dessus; quant aux croyants ils savent bien qu'il s'agit de la vérité venant de la part de leur Seigneur; quant aux infidèles ils se demandent Qu'a voulu dire Allah par un tel exemple Par cela nombreux sont ceux qu'Il égare et nombreux sont ceux qu'Il guide; mais Il n'égare par cela que les pervers
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Allah schämt Sich nicht ein Gleichnis auch nur mit einer Mücke oder mit etwas darüber hinaus zu prägen Was nun diejenigen angeht die glauben so wissen sie daß es die Wahrheit von ihrem Herrn ist Was aber diejenigen angeht die ungläubig sind so sagen sie "Was will denn Allah damit als Gleichnis" Er läßt damit viele in die Irre gehen und leitet viele damit recht doch läßt Er damit nur die Frevler in die Irre gehen
- Spanish - Cortes : Alá no se avergüenza de proponer la parábola que sea aunque se trate de un mosquito Los que creen saben que es la Verdad que viene de su Señor En cuanto a los que no creen dicen ¿Qué es lo que se propone Alá con esta parábola Así extravía Él a muchos y así también dirige a muchos Pero no extravía así sino a los perversos
- Português - El Hayek : Deus não Se furta em exemplificar com um insignificante mosquito ou com algo maior ou menor do que ele E os fiéissabem que esta é a verdade emanada de seu Senhor Quanto aos incrédulos asseveram Que quererá significar Deus com talexemplo Com isso desvia muitos e encaminha muitos outros Mas com isso só desvia os depravados
- Россию - Кулиев : Воистину Аллах не смущается приводить притчи о комаре или том что больше него Те которые уверовали знают что это - истина от их Господа Те же которые не уверовали говорят Чего хотел Аллах когда приводил эту притчу Посредством нее Он многих вводит в заблуждение а многих наставляет на прямой путь Однако вводит Он в заблуждение посредством нее только нечестивцев
- Кулиев -ас-Саади : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
Воистину, Аллах не смущается приводить притчи о комаре или том, что меньше его. Те, которые уверовали, знают, что это - истина от их Господа. Те же, которые не уверовали, говорят: «Чего хотел Аллах, когда приводил эту притчу?» Посредством нее Он многих вводит в заблуждение, а многих наставляет на прямой путь. Однако вводит Он в заблуждение посредством нее только нечестивцев,Аллах не смущается приводить притчи даже о комаре и других мелких созданиях, поскольку они содержат в себе глубокий смысл и разъясняют людям истину. А ведь Всевышний Аллах не стесняется говорить об истине. Этим откровением Аллах словно опроверг слова тех, кто считал бесполезными притчи о ничтожных созданиях и возражал Аллаху. Однако такие притчи не дают оснований для возражения. Напротив, они являются милостью, посредством которой Аллах обучает Своих рабов, и люди обязаны прислушиваться к ним и принимать их с благодарностью. Вот почему правоверные понимают, что если притча ниспослана от Господа, то им надлежит постичь ее смысл и задуматься над ней. Если им удается уяснить ее смысл в деталях, то благодаря этому они приумножают свои знания и веру. Если же им не удается сделать этого, то они довольствуются тем, что верят в ее истинность и правдивость ее смысла. Они остаются убежденными в этом даже тогда, когда часть истины, заключенной в ниспосланной притче, остается сокрытой для них, ведь они твердо знают, что Аллах не приводит притчи ради забавы, а помещает в них великий смысл и безграничную милость. Что же касается неверующих, то они вопрошают: «Что хотел сказать Аллах этой притчей?» Они возмущаются и пребывают в недоумении, отчего их неверие приумножается, подобно тому, как усиливается вера правоверных. Именно поэтому Всевышний Аллах сказал, что посредством коранических притч Господь одних людей вводит в заблуждение, а других наставляет на прямой путь. Так правоверные и неверующие воспринимают ниспослание новых откровений. По этому поводу Всевышний сказал: «Когда ниспосылается сура, то среди них находится такой, который говорит: “Чья вера от этого стала сильнее?” Что касается тех, кто уверовал, то их вера от этого усиливается, и они радуются. А что касается тех, чьи сердца поражены недугом, то это добавляет сомнение к их сомнению, и поэтому они умрут неверующими» (9:124–125). Для рабов нет большей милости, чем ниспослание коранических аятов, однако именно это оборачивается для одних людей испытанием, разочарованием и заблуждением, приумножая их несчастье, а для других - великой милостью и щедрым даром, приумножающим их благо. Пречист и преславен Аллах, Который установил различия между Своими рабами, Единственный, Кто наставляет на прямой путь и вводит в заблуждение! Затем Аллах сообщил, что если Он вводит людей в заблуждение, то руководствуется божественной мудростью и поступает справедливо. Он вводит в заблуждение только нечестивцев, которые уклоняются от повиновения Ему и упорно сопротивляются Его посланнику, да благословит его Аллах и приветствует. Нечестие и неповиновение стали неотъемлемым качеством этих грешников, и они даже не пытались изменить это положение. Они не заслуживали верного руководства, и мудрость Всевышнего Аллаха требовала ввести их в заблуждение. В отличие от них, праведники обрели правую веру и украсили себя праведными деяниями, и поэтому мудрость и милость Всевышнего Аллаха требовали наставить их на прямой путь. Нечестие бывает двух видов. К первому виду относится неповиновение, которое выводит нечестивца из лона религии и веры. Именно такое нечестие упоминается в этом и других похожих аятах. Ко второму же виду относится нечестие, которое не выводит человека из лона веры. Оно упоминается в словах Всевышнего: «О те, которые уверовали! Если нечестивец принесет вам весть, то разузнайте, чтобы не поразить по незнанию невинных людей, а не то вы будете сожалеть о содеянном» (49:6).
- Turkish - Diyanet Isleri : Allah sivrisineği ve onun üstününü misal olarak vermekten çekinmez İnananlar bunun Rablerinden bir gerçek olduğunu bilirler İnkar edenler ise "Allah bu misalle neyi murad etti" derler O bu misalle birçoğunu saptırır birçoğunu da yola getirir Onunla saptırdığı yalnız fasıklardır ki onlar Allah'la yapılan sözleşmeyi kabulden sonra bozarlar Allah'ın birleştirilmesini buyurduğu şeyi ayırırlar ve yeryüzünde bozgunculuk yaparlar; zarara uğrayanlar işte onlardır
- Italiano - Piccardo : In verità Allah non esita a prendere ad esempio un moscerino o qualsiasi altra cosa superiore Coloro che credono sanno che si tratta della verità che proviene dal loro Signore; i miscredenti invece dicono “Cosa vuol dire Allah con un simile esempio” [Con esso] ne allontana molti e molti ne guida Ma non allontana che gli iniqui
- كوردى - برهان محمد أمين : بهڕاستی خوا باكی نیهو نهنگ نیه بهلایهوه ههر نموونهیهك بهێنێتهوه به مێشولهیهك لهویش بچووكتر بێت یان گهورهتر جا ئهوانهی ئیمان و باوهڕیان هێناوه ئهوه چاك دهزانن ئهم نمونهیه ڕاسته و له لایهن پهروهردگاریانهوهیه ئهوانهش كافرو بێ باوهڕن دهڵێن خوا مهبهستی چی بوو لهم نموونهیهدا خوای گهورهش دهفهرموێت زۆرێكی پێ گومڕا دهكات و زۆرێكی تریشی پێ هیدایهت و ڕێنمووی دهكات بهڵام دیاره جگه له لارو وێرو یاخی و تاوانباران كهسی تر گومڕا ناكات
- اردو - جالندربرى : الله اس بات سے عار نہیں کرتا کہ مچھر یا اس سے بڑھ کر کسی چیز مثلا مکھی مکڑی وغیرہ کی مثال بیان فرمائے۔ جو مومن ہیں وہ یقین کرتے ہیں وہ ان کے پروردگار کی طرف سے سچ ہے اور جو کافر ہیں وہ کہتے ہیں کہ اس مثال سے خدا کی مراد ہی کیا ہے۔ اس سے خدا بہتوں کو گمراہ کرتا ہے اور بہتوں کو ہدایت بخشتا ہے اور گمراہ بھی کرتا تو نافرمانوں ہی کو
- Bosanski - Korkut : Allah se ne ustručava da za primjer navede mušicu ili nešto sićušnije od nje; oni koji vjeruju – ta oni znaju da je to Istina od Gospodara njihova; a oni koji ne vjeruju – govore "Šta to Allah hoće sa ovim primjerom" Time On mnoge u zabludi ostavlja a mnogima na Pravi put ukazuje; ali u zabludi ostavlja samo velike grješnike
- Swedish - Bernström : Gud tvekar inte att framställa en liknelse om en mygga eller något ännu oansenligare De troende vet att dessa [liknelser] är sanningen [uppenbarad] av deras Herre men de som inte vill tro säger "Vad kan Gud ha velat säga med denna liknelse" Därmed leder Han många vilse och ger även vägledning åt många; men Han leder ingen vilse utom dem som förhärdats i synd
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Sesungguhnya Allah tiada segan membuat perumpamaan berupa nyamuk atau yang lebih rendah dari itu Adapun orangorang yang beriman maka mereka yakin bahwa perumpamaan itu benar dari Tuhan mereka tetapi mereka yang kafir mengatakan "Apakah maksud Allah menjadikan ini untuk perumpamaan" Dengan perumpamaan itu banyak orang yang disesatkan Allah dan dengan perumpamaan itu pula banyak orang yang diberiNya petunjuk Dan tidak ada yang disesatkan Allah kecuali orangorang yang fasik
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
Untuk menolak perkataan orang-orang Yahudi, "Apa maksud Allah menyebutkan barang-barang hina ini", yakni ketika Allah mengambil perbandingan pada lalat dalam firman-Nya, "... dan sekiranya lalat mengambil sesuatu dari mereka" dan pada laba-laba dalam firman-Nya, "Tak ubahnya seperti laba-laba," Allah menurunkan: (Sesungguhnya Allah tidak segan membuat) atau mengambil (perbandingan) berfungsi sebagai maf`ul awal atau obyek pertama, sedangkan (apa juga) kata penyerta yang diberi keterangan dengan kata-kata yang di belakangnya menjadi maf`ul tsani atau obyek kedua hingga berarti tamsil perbandingan apa pun jua. Atau dapat juga sebagai tambahan untuk memperkuat kehinaan, sedangkan kata-kata di belakangnya menjadi maf`ul tsani (seekor nyamuk) yakni serangga kecil, (atau yang lebih atas dari itu) artinya yang lebih besar dari itu, maksudnya Allah tak hendak mengabaikan hal-hal tersebut, karena mengandung hukum yang perlu diterangkan-Nya. (Ada pun orang-orang yang beriman, maka mereka yakin bahwa ia), maksudnya perumpamaan itu (benar), tepat dan cocok dengan situasinya (dari Tuhan mereka, tetapi orang-orang kafir mengatakan, "Apakah maksud Allah menjadikan ini sebagai perumpamaan?") Matsalan atau perumpamaan itu berfungsi sebagai tamyiz hingga berarti dengan perumpamaan ini. 'Ma' yang berarti 'apakah' merupakan kata-kata pertanyaan disertai kecaman dan berfungsi sebagai mubtada atau subyek. Sedangkan 'dza' berarti yang berikut shilahnya atau kata-kata pelengkapnya menjadi khabar atau predikat, hingga maksudnya ialah 'apa gunanya?' Sebagai jawaban terhadap mereka Allah berfirman: (Allah menyesatkan dengannya), maksudnya dengan tamsil perbandingan ini, (banyak manusia) berpaling dari kebenaran disebabkan kekafiran mereka terhadapnya, (dan dengan perumpamaan itu, banyak pula orang yang diberi-Nya petunjuk), yaitu dari golongan orang-orang beriman disebabkan mereka membenarkan dan mempercayainya (Tetapi yang disesatkan-Nya itu hanyalah orang-orang yang fasik), yakni yang menyimpang dan tak mau menaati-Nya.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : আল্লাহ পাক নিঃসন্দেহে মশা বা তদুর্ধ্ব বস্তু দ্বারা উপমা পেশ করতে লজ্জাবোধ করেন না। বস্তুতঃ যারা মুমিন তারা নিশ্চিতভাবে বিশ্বাস করে যে তাদের পালনকর্তা কর্তৃক উপস্থাপিত এ উপমা সম্পূর্ণ নির্ভূল ও সঠিক। আর যারা কাফের তারা বলে এরূপ উপমা উপস্থাপনে আল্লাহর মতলবই বা কি ছিল। এ দ্বারা আল্লাহ তা’আলা অনেককে বিপথগামী করেন আবার অনেককে সঠিক পথও প্রদর্শন করেন। তিনি অনুরূপ উপমা দ্বারা অসৎ ব্যক্তিবর্গ ভিন্ন কাকেও বিপথগামী করেন না।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : நிச்சயமாக அல்லாஹ் கொசுவையோ அதிலும் அற்பத்தில் மேற்பட்டதையோ உதாரணம் கூறுவதில் வெட்கப்படமாட்டான் இறை நம்பிக்கைக் கொண்டவர்கள் நிச்சயமாக அவ்வுதாரணமானது தங்கள் இறைவனிடமிருந்து வந்துள்ள உண்மையென்பதை அறிவார்கள்; ஆனால் இறை நம்பிக்கையற்ற காஃபிர்களோ "இவ்வித உதாரணத்தின் மூலம் இறைவன் என்ன நாடுகிறான்" என்று ஏளனமாகக் கூறுகிறார்கள் அவன் இதைக்கொண்டு பலரை வழிகேட்டில் விடுகிறான்; இன்னும் பலரை இதன் மூலம் நல்வழிப் படுத்துகிறான்; ஆனால் தீயவர்களைத் தவிர வேறு யாரையும் அவன் அதனால் வழிகேட்டில் ஆக்குவதில்லை
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : แท้จริงอัลลอฮฺไม่ทรงละอาย ในการที่ระองค์จะทรงยกอุทาหรณ์ใด ๆ ขึ้นเปรียบเทียบไม่ว่าจะเป็นริ้นสักตัวหนึ่งแล้วก็สิ่งที่ยิ่งไปกว่านั้นก็ตาม ส่วนบรรดาผู้ที่ศรัทธานั้นพวกเขาย่อมรู้ว่าแท้จริงมัน คือ ความจริงที่มาจากพระเจ้าของพวกเขา และส่วนบรรดาผู้ที่ปฏิเสธการศรัทธานั้นพวกเขาจะพูดว่า อัลลอฮฺทรงประสงค์สิ่งใดในการยกอุทาหรณ์ด้วยสิ่งนี้ พระองค์ทรงให้คนมากมายหลงผิดด้วยอุทาหรณ์นั้น และทรงแนะนำทางที่ถูกต้องแก่คนมากมายด้วยอุทาหรณ์นั้น และพระองค์จะไม่ทรงให้ใครหลงผิดด้วยอุทาหรณ์นั้นนอกจากผู้ที่ฝ่าฝืนเท่านั้น
- Uzbek - Мухаммад Содик : Албатта Аллоҳ чивин ёки ундан устунроқ нарсани мисол келтиришдан уялмас Иймон келтирганлар албатта у Роббиларидан келган ҳақлигини биладилар Аммо куфр келтирганлар Аллоҳ бу мисолдан нимани ирода қилади дейишади У билан кўпчиликни залолатга кеткизади ва кўпчиликни ҳидоятга солади У билан фақат фосиқларнигина залолатга кеткизади
- 中国语文 - Ma Jian : 真主的确不嫌以蚊子或更小的事物设任何譬喻;信道者,都知道那是从他们的主降示的真理;不信道者,却说:真主设这个譬喻的宗旨是甚麽?他以譬喻使许多人入迷途,也以譬喻使许多人上正路;但除悖逆者外,他不以譬喻使人入迷途。
- Melayu - Basmeih : Sesungguhnya Allah tidak malu membuat perbandingan apa sahaja seperti nyamuk hingga ke suatu yang lebih daripadanya kerana perbuatan itu ada hikmatnya iaitu kalau orangorang yang beriman maka mereka akan mengetahui bahawa perbandingan itu benar dari Tuhan mereka; dan kalau orangorang kafir pula maka mereka akan berkata "Apakah maksud Allah membuat perbandingan dengan ini" Jawabnya Tuhan akan menjadikan banyak orang sesat dengan sebab perbandingan itu dan akan menjadikan banyak orang mendapat petunjuk dengan sebabnya; dan Tuhan tidak akan menjadikan sesat dengan sebab perbandingan itu melainkan orangorang yang fasik;
- Somali - Abduh : Eebe kama xishoodo reebtoonaado inuu tusaale u yeelo kaneeco iyo waxkasareeyaba kuwa xaqa rumeeyeyse waxay ogyihiin inuu xaqyahay Quraanku kana yimid xagga Eebahood kuwa gaaloobayse waxay dhihi muxuu Eebe ula jeedaatusaalahan wuxuu ku dhumin Eebe in badan wuxuuna ku hanuunin in badan waxaan faasiqiin ahayna kuma dhumiyo
- Hausa - Gumi : Lalle ne Allah bã Ya jin kunyar Ya bayyana wani misãli kõwane iri ne sauro da abin da yake bisa gare shi To amma waɗanda suka yi ĩmãni sai su san cewa lalle shi ne gaskiya daga Ubangijin su kuma amma waɗanda suka kãfirta sai su ce "Mẽne ne Allah Ya yi nufi da wannan ya zama misãli" na ɓatar da wasu mãsu yawa da shi kuma Yana shiryar da wasu mãsu yawada shi kuma bã Ya ɓatarwa da shi fãce fasiƙai
- Swahili - Al-Barwani : Hakika Mwenyezi Mungu haoni haya kutoa mfano hata wa mbu na ulio wa zaidi yake Ama wale walio amini hujua ya kwamba hiyo ni haki iliyo toka kwa Mola wao Mlezi lakini wale walio kufuru husema Ni nini analo kusudia Mwenyezi Mungu kwa mfano huu Kwa mfano huu huwapoteza wengi na huwaongoa wengi; lakini hawapotezi ila wale wapotovu
- Shqiptar - Efendi Nahi : Allahu nuk ngurron të jep shembullin e mushkajës ose diçka më të madhe se atë ata që besojnë e dinë që kjo është e vërtetë nga Perëndia e tyre e ata që nuk besojnë thonë“Çka don të tregojë Allahu me këtë shembull Në këtë mënyrë Ai shumëkend e ka hutuar e shumëkujt ia ka treguar rrugën e vërtetë Ai i la të humbur vetëm mëkatarët e mëdhenj”
- فارسى - آیتی : خدا ابايى ندارد كه به پشه و كمتر از آن مثل بزند. آنان كه ايمان آوردهاند مىدانند كه آن مثل درست و از جانب پروردگار آنهاست. و امّا كافران مىگويند كه خدا از اين مثل چه مىخواسته است؟ بسيارى را بدان گمراه مىكند و بسيارى را هدايت. امّا تنها فاسقان را گمراه مى كند.
- tajeki - Оятӣ : Худо ибое надорад, ки ба пашша ва камтар аз он мисол биёрад. Онон, ки имон овардаанд, медонанд, ки он мисол дуруст ва аз ҷониби Парвардигори онҳост. Ва аммо кофирон мегӯянд, ки Худо аз ин мисол чи мехостааст? Бисёреро ба он гумроҳ мекунад ва бисёреро ҳидоят. Аммо танҳо фосиқонро гумроҳ мекунад.
- Uyghur - محمد صالح : اﷲ ھەقىقەتەن پاشا ۋە ئۇنىڭدىنمۇ كىچىك نەرسىلەرنى مىسال قىلىپ كەلتۈرۈشتىن تارتىنىپ قالمايدۇ، مۆمىنلەر بولسا ئۇنى پەرۋەردىگارى تەرىپىدىن نازىل بولغان ھەقىقەت دەپ بىلىدۇ؛ كاپىرلار بولسا: «اﷲ بۇ نەرسىلەرنى مىسال قىلىپ كەلتۈرۈشتىن نېمىنى ئىرادە قىلىدۇ؟» دەيدۇ. اﷲ بۇ مىسال بىلەن نۇرغۇن كىشىلەرنى (ئۇنى ئىنكار قىلغانلىقتىن) ئازدۇرىدۇ ۋە نۇرغۇن كىشىلەرنى (ئۇنى تەستىقلىغانلىقتىن) ھىدايەت قىلىدۇ؛ شۇ ئارقىلىق پەقەت پاسىقلارنىلا ئازدۇرىدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : കൊതുകിനെയോ അതിലും നിസ്സാരമായതിനെപ്പോലുമോ ഉപമയാക്കാന് അല്ലാഹുവിന് ഒട്ടും സങ്കോചമില്ല. അപ്പോള് വിശ്വാസികള് അതു തങ്ങളുടെ നാഥന്റെ സത്യവചനമാണെന്നു തിരിച്ചറിയുന്നു. എന്നാല് സത്യനിഷേധികള് ചോദിക്കുന്നു: "ഈ ഉപമ കൊണ്ട് അല്ലാഹു എന്താണ് ഉദ്ദേശിക്കുന്നത്?“ അങ്ങനെ ഈ ഉപമ കൊണ്ട് അവന് ചിലരെ വഴിതെറ്റിക്കുന്നു. പലരേയും നേര്വഴിയിലാക്കുന്നു. എന്നാല് ധിക്കാരികളെ മാത്രമേ അവന് വഴിതെറ്റിക്കുന്നുള്ളൂ.
- عربى - التفسير الميسر : ان الله تعالى لا يستحيي من الحق ان يذكر شيئا ما قل او كثر ولو كان تمثيلا باصغر شيء كالبعوضه والذباب ونحو ذلك مما ضربه الله مثلا لعجز كل ما يعبد من دون الله فاما المومنون فيعلمون حكمه الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه واما الكفار فيسخرون ويقولون ما مراد الله من ضرب المثل بهذه الحشرات الحقيره ويجيبهم الله بان المراد هو الاختبار وتمييز المومن من الكافر لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه ويوفق به غيرهم الى مزيد من الايمان والهدايه والله تعالى لا يظلم احدا لانه لا يصرف عن الحق الا الخارجين عن طاعته
*28). Here an objection is indirectly refuted. At several places in the Qur'an, spiders, flies, gnats and so on are mentioned in order to elucidate certain points. Opponents objected to this on the grounds that such objects were too lowly to find a place in the Book of God. They indicated that had the Qur'an indeed been a revelation from God it would not have mentioned such trivial objects.
*29). Those who do not wish to understand things and are not motivated by the urge to seek the truth become enmeshed in superficial questions relating to the Book of God, draw altogether erroneous conclusions when they encounter references to apparently insignificant things such as gnats, and are thereby thrown further and further away from the Truth. Those who seek the Truth and possess true perception, on the other hand, penetrate through these superficialities and perceive the gems of wisdom that they embody. This appreciation makes their hearts attest that such wisdom could have no other source than God Himself.
*30). Fasiq means transgressor, disobedient. (See also n 33 below )