- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
- عربى - نصوص الآيات : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ۖ فاحكم بينهم بما أنزل الله ۖ ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ۚ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ۚ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ۖ فاستبقوا الخيرات ۚ إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
- عربى - التفسير الميسر : وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن، وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله، وأنها من عند الله، مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها، فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن، ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه، فقد جعلنا لكل أمة شريعة، وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة، ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم، فيظهر المطيع من العاصي، فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن، فإن مصيركم إلى الله، فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون، ويجزي كلا بعمله.
- السعدى : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
يقول تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ْ} الذي هو القرآن العظيم، أفضل الكتب وأجلها. { بِالْحَقِّ ْ} أي: إنزالا بالحق، ومشتملا على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه. { مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ْ} لأنه شهد لها ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها، وأخبرت به، فصار وجوده مصداقا لخبرها. { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ْ} أي: مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه. وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود، قد دخله التحريف والتبديل، وإلا فلو كان من عند الله، لم يخالفه. { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ْ} من الحكم الشرعي الذي أنزله الله عليك. { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ْ} أي: لا تجعل اتباع أهوائهم الفاسدة المعارضة للحق بدلا عما جاءك من الحق فتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ْ} أيها الأمم جعلنا { شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ْ} أي: سبيلا وسنة، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع. { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ْ} تبعا لشريعة واحدة، لا يختلف متأخرها و[لا] متقدمها. { وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ْ} فيختبركم وينظر كيف تعملون، ويبتلي كل أمة بحسب ما تقتضيه حكمته، ويؤتي كل أحد ما يليق به، وليحصل التنافس بين الأمم فكل أمة تحرص على سبق غيرها، ولهذا قال: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ْ} أي: بادروا إليها وأكملوها، فإن الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب، من حقوق الله وحقوق عباده، لا يصير فاعلها سابقا لغيره مستوليا على الأمر، إلا بأمرين: المبادرة إليها، وانتهاز الفرصة حين يجيء وقتها ويعرض عارضها، والاجتهاد في أدائها كاملة على الوجه المأمور به. ويستدل بهذه الآية، على المبادرة لأداء الصلاة وغيرها في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي أن لا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ في الصلاة وغيرها من العبادات من الأمور الواجبة، بل ينبغي أن يأتي بالمستحبات، التي يقدر عليها لتتم وتكمل، ويحصل بها السبق. { إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ْ} الأمم السابقة واللاحقة، كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه. { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ْ} من الشرائع والأعمال، فيثيب أهل الحق والعمل الصالح، ويعاقب أهل الباطل والعمل السيئ.
- الوسيط لطنطاوي : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
قوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.
معطوف على قوله قبل ذلك إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ.
والمراد بالكتاب الأول: القرآن الكريم وأل فيه للعهد.
والمراد بالكتاب الثاني: جنس الكتب السماوية المتقدمة فيشمل التوراة والإنجيل وأل فيه للجنس وقوله وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ أى: رقيبا على ما سبقه من الكتب السماوية المحفوظة من التغيير، وأمينا وحاكما عليها لأنه هو الذي يشهد لها بالصحة ويقرر أصول شرائعها.
قال ابن جرير: وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب. يقال: إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه. فهو يهيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن» .
وقال صاحب الكشاف: وقرئ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ- بفتح الميم- أى هومن عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل كما قال- تعالى-: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.
والذي هيمن عليه هو الله- عز وجل. أو الحفاظ في كل بلد، لو حرّف حرف منه أو حركة أو سكون لتنبه له كل أحد، ولاشمأزوا، رادين ومنكرين» .
والمعنى: لقد أنزلنا التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، وأنزلنا إليك يا محمد الكتاب الجامع لكل ما اشتملت عليه الكتب السماوية من هدايات وقد أنزلناه ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، وجعلناه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ أى: مؤيدا لما في تلك الكتب التي تقدمته: من دعوة إلى عبادة الله وحده، وإلى التمسك بمكارم الأخلاق. وجعلناه كذلك «مهيمنا عليها» أى: أمينا ورقيبا وحاكما عليها.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أشار إلى سمو مكانة القرآن من بين الكتب السماوية بإشارات من أهمها:
أنه- سبحانه- لم يقل: وقفينا على آثارهم- أى على آثار الأنبياء السابقين- بمحمد صلى الله عليه وسلم وآتيناه القرآن. كما قال في شأن عيسى ابن مريم وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ.. إلخ.
لم يقل ذلك في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي شأن القرآن الكريم، وإنما قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ للإشارة إلى معنى استقلاله وعدم تبعيته لغيره من الكتب التي سبقته، وللإيذان بأن الشريعة التي هذا كتابها هي الشريعة الباقية الخالدة التي لا تقبل النسخ أو التغيير.
وأنه- سبحانه- لم يزد في تعريف الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على تعريفه بلام العهد فقال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ للإشارة إلى كماله وتفوقه على سائر الكتب.
أى: أنه الكتاب الذي هو جدير بهذا الاسم، بحيث إذا أطلق اسم الكتاب لا ينصرف إلا إليه لأنه الفرد الكامل من بين الكتب في هذا الوجود.
وأنه- سبحانه- قد وصفه بأنه قد أنزله ملتبسا بالحق والصدق، وأنه مؤيد ومقرر لما اشتملت عليه الكتب السماوية من الدعوة إلى الحق والخير، وأنه- فضلا عن كل ذلك- أمين على تلك الكتب، وحاكم عليها، فما أيده من أحكامها وأقوالها فهو حق، وما لم يؤيده منها فهو باطل.
قال ابن كثير: جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، جعله أشملها وأعظمها وأكملها، لأنه- سبحانه- جمع فيه محاسن ما قبله من الكتب وزاد فيه من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها، وتكفل- سبحانه- بحفظه بنفسه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ .
وقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ أمر من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يلتزم في حكمه بين الناس الأحكام التي أنزلها- سبحانه-والفاء في قوله: فَاحْكُمْ للإفصاح عن شرط مقدر.
أى: إذا كان شأن القرآن كما ذكرت لك يا محمد فاحكم بين هؤلاء اليهود وبين غيرهم من الناس بما أنزله الله من أحكام، فإن ما أنزله هو الحق الذي لا باطل معه، ولا تتبع في حكمك أهواء هؤلاء اليهود وأشباههم لأن اتباعك لأهوائهم يجعلك منحرفا ومائلا عما جاءك من الحق الذي لا مرية فيه ولا ريب. ولم يقل- سبحانه- «فاحكم بينهم به» بل ترك الضمير وعبر بالموصول فقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ للتنبيه على علية ما في حيز الصلة للحكم، لأن الموصول إذا كان في ضمن حكم تكون الصلة هي علة الحكم.
أى: التزم في حكمك بينهم بما يؤيده القرآن لأنه الكتاب الذي أنزله الله عليك.
قال بعض العلماء: «وهذا يفيد أن اليهود الذين عاشروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنه نسخ والمعول عليه في الحالين هو القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد روى أنه- عليه السلام- ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإيمان به- عليه السلام» .
والضمير في قوله، أَهْواءَهُمْ يعود إلى أولئك اليهود الذين كانوا يتحاكمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا بقصد الوصول إلى الحق، وإنما بقصد الوصول إلى ما يسهل عليهم احتماله من أحكام.
قال الآلوسى: والنهى يجوز أن يكون لمن لا يتصور منه وقوع المنهي عنه، ولا يقال: كيف نهى صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهوائهم، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عن ارتكاب ما دون ذلك. وقيل الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد سائر الحكام» .
وقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً استئناف جيء به لحمل أهل الكتاب على الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله إليه من الحق.
والشرعة والشريعة بمعنى واحد. وهي في الأصل الطريق الظاهر الموصل للماء. والمراد بها هنا ما اشتمل عليه الدين من أحكام تكليفية يجب العمل بها أمرا ونهيا وندبا وإباحة. وسمى ما اشتمل عليه الدين من أحكام شريعة تشبيها بشريعة الماء. من حيث إن كلا منهما سبب الحياة. إذ أن الشريعة الدينية سبب في حياة الأرواح حياة معنوية. كما أن الماء سبب في حياة الأرواح حياة مادية.
والمنهاج: الطريق الواضح في الدين، من نهج الأمر ينهج إذا وضح. والعطف باعتبار جمع الأوصاف.
قال بعضهم. هما كلمتان بمعنى واحد والتكرير للتأكيد.
وقيل: ليستا بمعنى واحد. فالشرعة ابتداء الطريق. والمنهاج الطريق المستقيم.
وقوله: مِنْكُمْ متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين «كل» .
أى: لكل أمة من الأمم الحاضرة والماضية وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى- عليهما السلام-، كانت شرعتها ما في التوراة من أحكام. والأمة التي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث محمد- عليهما الصلاة والسلام كانت شرعتها ما في الإنجيل. وأما هذه الأمة الإسلامية فشريعتها ما في القرآن من أحكام، لأنه مشتمل على ما جاء في الكتب السابقة عليه من أصول الدين وكلياته التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وزاد عليها ما يناسب العصر الذي نزل فيه، والعصور التي تلت ذلك إلى يوم القيامة.
وأهل الكتاب إنما أمروا بأن يتحاكموا إلى كتبهم قبل نسخها بالقرآن الكريم، أما بعد نزوله ومجيء النبي صلى الله عليه وسلم خاتما للرسالات السماوية، فقد أصبح من الواجب عليهم الدخول في الإسلام، واتباع رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به أو نهى عنه، وليس لأحد بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إيمان مقبول إلا باتباعه وتصديقه في جميع أقواله وأعماله.
والاختلاف في الشرائع إنما يكون فيما يتعلق ببعض الأوامر والنواهي، وببعض وجوه الحلال والحرام، وبغير ذلك من فروع الشريعة، فقد يحرم الله شيئا على قوم عقوبة لهم، ويحله لقوم آخرين تخفيفا عنهم، كما قال- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ .
وكما قال- تعالى- حكاية عن عيسى- عليه السلام-: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ .
أما ما يتعلق بأصول الشريعة، وجوهر الدين، وأساس العقيدة كالأمر بعبادة الله وحده،والتحلي بمكارم الأخلاق، فلا يتعلق به اختلاف في أى شريعة من الشرائع، أو أى دين من الأديان.
وقد تكلم عن هذا المعنى الإمام ابن كثير فقال: قوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد. كما ثبت في صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات- أمهاتهم شتى- ودينهم واحد» يعنى بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله، وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ . وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى. كما قال- تعالى- في شأن شريعة عيسى: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وبالعكس، قد يكون الشيء حلالا في هذه الشريعة ثم يحرم في شريعة أخرى، فيزداد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له- تعالى- في ذلك من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة» .
وقال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً الخطاب فيه- كما قال جماعة من المفسرين- للناس كافة الموجودين والماضين بطريق التغليب. واستدل بالآية من ذهب إلى أننا غير متعبدين بشرائع من قبلنا، لأن الخطاب يعم الأمم، واللام للاختصاص فيكون لكل أمة دين يخصها.
والتحقيق في هذا المقام أننا متعبدون بأحكام الشرائع السابقة من حيث إنها أحكام شريعتنا لا من حيث إنها شريعة للأولين» .
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر قدرته، وبالغ حكمته فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ.
ومفعول المشيئة هنا محذوف لدلالة الجزاء عليه.
وقوله: وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ متعلق بمحذوف يستدعيه المقام.
والابتلاء: الاختبار والامتحان ليميز المطيع من العاصي.
والمعنى: لو شاء الله- تعالى- أن يجعل الأمم جميعا أمة واحدة تدين بدين واحد وبشريعة واحدة لفعل، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، وإنما شاء أن يجعلكم أمما متعددة ليختبركم فيما آتاكم من شرائع مختلفة في بعض فروعها ولكنها متحدة في جوهرها وأصولها فيجازى من أطاعه بما يستحقه من ثواب ويجازى من خالف أمره بما يستحقه من عذاب.
وقوله: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ حض منه- سبحانه- لعباده على الاجتهاد في فعل الطاعات.
أى إذا كان الأمر كما وصفت لكم. فسارعوا إلى القيام بالأعمال الصالحة التي تسعدكم في الدنيا والآخرة، وتنافسوا في تحصيلها بكل عزيمة ونشاط لتنالوا رضا الله- تعالى- وجزيل مثوبته.
فَاسْتَبِقُوا بمعنى فتسابقوا، ولتضمنه معنى السبق والابتدار تعدى بنفسه من غير إلى كما في قوله- تعالى- وَاسْتَبَقَا الْبابَ أى: حاول كل واحد منهما الابتدار والوصول إلى الباب قبل الآخر.
وقوله إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ استئناف مسوق مساق التعليل لاستباق الخيرات.
وقوله فَيُنَبِّئُكُمْ أى فيخبركم والمراد بالإنباء والإخبار هنا المجازاة على الأعمال، وإنما عبر عنها بالإنباء لوقوعها موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الأنبياء.
أى: إلى الله وحده مصيركم ومرجعكم، فيخبركم عند الحساب بما كنتم تختلفون فيه في الدنيا، ويجازيكم بما تستحقون: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم منه- سبحانه- جزيل الثواب. وأما الذين طغوا وآثروا الحياة الدنيا فلهم منه شديد العقاب.
- البغوى : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
قوله - سبحانه وتعالى - : ( وأنزلنا إليك ) يا محمد ) ( الكتاب ) القرآن ، ( بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) أي : من الكتب المنزلة من قبل ، ( ومهيمنا عليه ) روى الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أي شاهدا عليه وهو قول مجاهد وقتادة والسدي والكسائي .
قال حسان :
إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب
يريد : شاهدا ومصدقا .
وقال عكرمة : دالا . وقال سعيد بن جبير وأبو عبيدة : مؤتمنا عليه . وقال الحسن : أمينا . وقيل : أصله مؤيمن ، مفيعل من أمين ، كما قالوا : مبيطر من البيطار ، فقلبت الهمزة هاء ، كما قالوا : أرقت الماء وهرقته ، وإيهات وهيهات ، ونحوها . ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج : القرآن أمين على ما قبله من الكتب ، فما أخبر أهل الكتاب عن [ كتابهم ] فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا .
وقال سعيد بن المسيب والضحاك : قاضيا ، وقال الخليل : رقيبا وحافظا ، والمعاني متقاربة ، ومعنى الكل : أن كل كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى ، وما لا فلا . ) ( فاحكم ) يا محمد ، ) ( بينهم ) بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك ، ( بما أنزل الله ) بالقرآن ، ( ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) أي لا تعرض عما جاءك من الحق ولا تتبع أهواءهم ، ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن عباس والحسن ومجاهد : أي سبيلا وسنة ، فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح ، وكل ما شرعت فيه فهو شريعة وشرعة ، ومنه شرائع الإسلام لشروع أهلها فيها ، وأراد بهذا أن الشرائع مختلفة ، ولكل أهل ملة شريعة .
قال قتادة : الخطاب للأمم الثلاث : أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللفرقان شريعة ، والدين واحد وهو التوحيد . ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) أي : على ملة واحدة ، ) ( ولكن ليبلوكم ) ليختبركم ، ( في ما آتاكم ) من الكتب وبين لكم من الشرائع فيتبين المطيع من العاصي والموافق من المخالف ، ) ( فاستبقوا الخيرات ) فبادروا إلى الأعمال الصالحة ، ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) .
- ابن كثير : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها الله على موسى كليمه [ عليه السلام ] ومدحها وأثنى عليها ، وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع ، وذكر الإنجيل ومدحه ، وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ، كما تقدم بيانه ، شرع تعالى في ذكر القرآن العظيم ، الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، فقال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ) أي : بالصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله ، ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) أي : من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه ، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان نزوله كما أخبرت به ، مما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر ، الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله ، وصدقوا رسل الله ، كما قال تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إن كان ما وعدنا الله على ألسنة الرسل المتقدمين ، من مجيء محمد ، عليه السلام ، ( لمفعولا ) أي : لكائنا لا محالة ولا بد .
وقوله : ( ومهيمنا عليه ) قال سفيان الثوري وغيره ، عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس أي : مؤتمنا عليه . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المهيمن : الأمين ، قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله .
وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك .
وقال ابن جريج : القرآن أمين على الكتب المتقدمة ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه منها فهو باطل .
وعن الوالبي ، عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : شهيدا . وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي .
وقال العوفي عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : حاكما على ما قبله من الكتب .
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، فإن اسم " المهيمن " يتضمن هذا كله ، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله ، جعل الله هذا الكتاب العظيم ، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها ، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله ، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره ; فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها . وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة ، فقال [ تعالى ] ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .
فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله : ( ومهيمنا عليه ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم أمين على القرآن ، فإنه صحيح في المعنى ، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر ، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر . وبالجملة فالصحيح الأول ، قال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ ، وذلك أن " المهيمن " عطف على " المصدق " ، فلا يكون إلا من صفة ما كان " المصدق " صفة له . قال : ولو كان كما قال مجاهد لقال : " وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " . يعني من غير عطف .
وقوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ) أي : فاحكم يا محمد بين الناس : عربهم وعجمهم ، أميهم وكتابيهم ) بما أنزل الله ) إليك في هذا الكتاب العظيم ، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك . هكذا وجهه ابن جرير بمعناه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم . فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا .
وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) أي : آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسوله ; ولهذا قال : ( ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) أي : لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء من الجهلة الأشقياء .
وقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه ، عن التميمي عن ابن عباس : ( لكل جعلنا منكم شرعة ) قال : سبيلا .
وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس : ( ومنهاجا ) قال : وسنة . وكذا روى العوفي عن ابن عباس : ( شرعة ومنهاجا ) سبيلا وسنة .
وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا وسنة .
وعن ابن عباس ومجاهد أيضا وعطاء الخراساني عكسه : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سنة وسبيلا ، والأول أنسب ، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا ، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال : " شرع في كذا " أي : ابتدأ فيه . وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء . أما " المنهاج " : فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن : الطرائق ، فتفسير قوله : ( شرعة ومنهاجا ) بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم .
ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان ، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام ، المتفقة في التوحيد ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد " يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله ، وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) الآية [ النحل : 36 ] ، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي ، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى ، وبالعكس ، وخفيفا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه . وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة .
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) يقول : سبيلا وسنة ، والسنن مختلفة : هي في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة ، وفي الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذي لا يقبل الله غيره : التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل .
وقيل : المخاطب بهذا هذه الأمة ، ومعناه : ( لكل جعلنا ) القرآن ( منكم ) أيتها الأمة ( شرعة ومنهاجا ) أي : هو لكم كلكم ، تقتدون به . وحذف الضمير المنصوب في قوله : ( لكل جعلنا منكم ) أي : جعلناه ، يعني القرآن ، ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا إلى المقاصد الصحيحة ، وسنة ؛ أي : طريقا ومسلكا واضحا بينا .
هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد رحمه الله ، والصحيح القول الأول ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) فلو كان هذا خطابا لهذه الأمة لما صح أن يقول : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) وهم أمة واحدة ، ولكن هذا خطاب لجميع الأمم ، وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ، لا ينسخ شيء منها . ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرعة على حدة ، ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة ، وجعله خاتم الأنبياء كلهم ; ولهذا قال تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ) أي : أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة ، ليختبر عباده فيما شرع لهم ، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله .
وقال عبد الله بن كثير : ( في ما آتاكم ) يعني : من الكتاب .
ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها ، فقال : ( فاستبقوا الخيرات ) وهي طاعة الله واتباع شرعه ، الذي جعله ناسخا لما قبله ، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله .
ثم قال تعالى : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) أي : معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) أي : فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق ، فيجزي الصادقين بصدقهم ، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق ، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان ، بل هم معاندون للبراهين القاطعة ، والحجج البالغة ، والأدلة الدامغة .
وقال الضحاك : ( فاستبقوا الخيرات ) يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والأظهر الأول .
- القرطبى : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
قوله : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
قوله تعالى : وأنزلنا إليك الكتاب الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم . و ( الكتاب ) القرآن ( بالحق ) أي : هو بالأمر الحق ( مصدقا ) حال لما بين يديه من الكتاب أي : من جنس الكتب . و ( مهيمنا عليه ) أي : عاليا عليه ومرتفعا ، وهذا يدل على تأويل من يقول بالتفضيل أي : في كثرة الثواب ، على ما تقدمت إليه الإشارة في " الفاتحة " وهو اختيار ابن الحصار في كتاب شرح السنة له ، وقد ذكرنا ما ذكره في كتابنا في شرح الأسماء الحسنى ، والحمد لله ، وقال قتادة : المهيمن معناه الشاهد ، وقيل : الحافظ ، وقال الحسن : المصدق ; ومنه قول الشاعر :
إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب
وقال ابن عباس : ومهيمنا عليه أي : مؤتمنا عليه . قال سعيد بن جبير : القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب ، وعن ابن عباس والحسن أيضا : المهيمن الأمين . قال المبرد : أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء ; كما قيل في أرقت الماء هرقت ، وقاله الزجاج أيضا وأبو علي ، وقد صرف فقيل : هيمن يهيمن هيمنة ، وهو مهيمن بمعنى كان أمينا . الجوهري : هو من آمن غيره من الخوف ; وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين ، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ، ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا : هراق الماء وأراقه ; يقال منه : هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا ، فهو مهيمن ; عن أبي عبيد ، وقرأ مجاهد وابن محيصن : " ومهيمنا عليه " بفتح الميم . قال مجاهد : أي : محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن .
قوله تعالى : فاحكم بينهم بما أنزل الله يوجب الحكم ; فقيل : هذا نسخ للتخيير في قوله : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وقيل : ليس هذا وجوبا ، والمعنى : فاحكم بينهم إن شئت ; إذ لا يجب علينا الحكم بينهم إذا لم يكونوا من أهل الذمة ، وفي أهل الذمة تردد وقد مضى الكلام فيه ، وقيل : أراد فاحكم بين الخلق ; فهذا كان واجبا عليه .
قوله تعالى : ولا تتبع أهواءهم فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : ولا تتبع أهواءهم يعني لا تعمل بأهوائهم ومرادهم على ما جاءك من الحق ; يعني لا تترك الحكم بما بين الله تعالى من القرآن من بيان الحق وبيان الأحكام . والأهواء جمع هوى ; ولا يجمع أهوية ; وقد تقدم في " البقرة " . فنهاه عن أن يتبعهم فيما يريدونه ; وهو يدل على بطلان قول من قال : تقوم الخمر على من أتلفها عليهم ; لأنها ليست مالا لهم فتكون مضمونة على متلفها ; لأن إيجاب ضمانها على متلفها حكم بموجب أهواء اليهود ; وقد أمرنا بخلاف ذلك . ومعنى عما جاءك على ما جاءك . لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا يدل على عدم التعلق بشرائع الأولين . والشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة ، والشريعة في اللغة : الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء ، والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين ; وقد شرع لهم يشرع شرعا أي : سن ، والشارع الطريق الأعظم ، والشرعة أيضا الوتر ، والجمع شرع وشراع جمع الجمع ; عن أبي عبيد ; فهو مشترك ، والمنهاج الطريق المستمر ، وهو النهج والمنهج ، أي البين ; قال الراجز :
من يك ذا شك فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج
وقال أبو العباس محمد بن يزيد : الشريعة ابتداء الطريق ; المنهاج الطريق المستمر ، وروي عن ابن عباس والحسن وغيرهما شرعة ومنهاجا سنة وسبيلا ، ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها ; والإنجيل لأهله ; والقرآن لأهله ; وهذا في الشرائع والعبادات ; والأصل التوحيد لا اختلاف فيه ; روي معنى ذلك عن قتادة ، وقال مجاهد : الشرعة والمنهاج دين محمد عليه السلام ; وقد نسخ به كل ما سواه .
قوله تعالى : ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة أي : لجعل شريعتكم واحدة فكنتم على الحق ; فبين أنه أراد بالاختلاف إيمان قوم وكفر قوم . ولكن ليبلوكم في ما آتاكم في الكلام حذف تتعلق به لام كي ; أي : ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليختبركم ; والابتلاء الاختبار .
قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات أي : سارعوا إلى الطاعات ; وهذا يدل على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها ، وذلك لا اختلاف فيه في العبادات كلها إلا في الصلاة في أول الوقت ; فإن أبا حنيفة يرى أن الأولى تأخيرها ، وعموم الآية دليل عليه ; قاله إلكيا ، وفيه دليل على أن الصوم في السفر أولى من الفطر ، وقد تقدم جميع هذا في " البقرة " . إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون أي : بما اختلفتم فيه ، وتزول الشكوك .
- الطبرى : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
قال أبو جعفر: وهذا خطابٌ من الله تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى ذكره: أنـزلنا إليك، يا محمد،" الكتاب "، وهو القرآن الذى أنـزله عليه= ويعني بقوله: " بالحق "، بالصدق ولا كذب فيه، ولا شك أنه من عند الله (8) =" مصدقًا لما بين يديه من الكتاب "، يقول: أنـزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التى أنـزلها إلى أنبيائه=
"
ومهيمنًا عليه "، يقول: أنـزلنا الكتاب الذي أنـزلناه إليك، يا محمد، مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنها حق من عند الله، أمينًا عليها، حافظا لها.* * *
وأصل "
الهيمنة "، الحفظ والارتقاب. يقال، إذا رَقَب الرجل الشيء وحفظه وشَهِده: " قد هيمن فلان عليه، فهو يُهَيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن ".* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، إلا أنهم اختلفت عباراتهم عنه.
فقال بعضهم: معناه: شهيدًا.
ذكر من قال ذلك:
12103م - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "
ومهيمنًا عليه "، يقول: شهيدًا.12104 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "
ومهيمنًا عليه "، قال: شهيدًا عليه.12105 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "
وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب "، يقول: الكتب التي خلت قبله=" ومهيمنًا عليه "، أمينًا وشاهدًا على الكتب التي خلت قبله.* * *
12106 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "
ومهيمنًا عليه "، مؤتمنًا على القرآن، وشاهدًا ومصدِّقًا= وقال ابن جريج: وقال: آخرون (9) القرآن أمين على الكتب فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمرٍ، إن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا.* * *
وقال بعضهم: معناه: أمينٌ عليه.
ذكر من قال ذلك:
12107 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= وحدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع= جميعًا، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: "
ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.12108 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله: "
ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.12109 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
12110 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، بإسناده، عن ابن عباس، مثله.
12111 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
12112 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
12113 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن رجل من تميم، عن ابن عباس، مثله. (10)
12114 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "
ومهيمنًا عليه "، قال: والمهيمن الأمين: قال: القرآن أمين على كلِّ كتاب قبله.12115 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "
وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب "، وهو القرآن، شاهد على التوراة والإنجيل، مصدقًا لهما=" ومهيمنًا عليه "، يعني: أمينًا عليه، يحكم على ما كان قبله من الكتب.12116 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: "
ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.12117 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني تميم، عن ابن عباس: "
ومهيمنًا عليه "، قال: مؤتمنًا عليه.12118 - حدثني المثنى قال، حدثنا يحيى الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله. (11)
12119 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان وإسرائيل، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير: "
ومهيمنًا عليه " قال: مؤتمنًا على ما قبله من الكتب.12120 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: سألت الحسين عن قوله: "
وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه "، قال: مصدقًا لهذه الكتب، وأمينا عليها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع فقال: مؤتمنًا عليه.* * *
وقال آخرون: معنى "
المهيمن "، المصدق.ذكر من قال ذلك:
12121 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "
ومهيمنًا عليه "، قال: مصدِّقًا عليه. كل شيء أنـزله الله من توراة أو إنجيل أو زَبُورٍ، فالقرآن مصدِّق على ذلك. وكل شيء ذكر الله في القرآن، فهو مصدِّقٌ عليها وعلى ما حُدِّث عنها أنه حق.* * *
وقال آخرون: عنى بقوله: "
مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه "، نبي الله صلى الله عليه وسلم.ذكر من قال ذلك:
12122 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "
ومهيمنًا عليه "، محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمنٌ على القرآن.12123 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "
ومهيمنًا عليه "، قال: محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمنٌ على القرآن.* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على ما تأوّله مجاهد: وأنـزلنا الكتاب مصدقًا الكتبَ قبله إليك، مهيمنا عليه= فيكون قوله: "
مصدقًا " حالا من " الكتاب " وبعضًا منه، ويكون " التصديق " من صفة " الكتاب "، و " المهيمن " حالا من " الكاف " التي في" إليك "، وهي كناية عن ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، و " الهاء " في قوله: " عليه "، عائدة على الكتاب.* * *
وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ. وذلك أنّ"
المهيمن " عطفٌ على " المصدق "، فلا يكون إلا من صفة ما كان " المصدِّق " صفةً له. ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد، لقيل: " وأنـزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب مهيمنًا عليه " (12) = لأنه لم يتقدم من صفة " الكاف " التي في" إليك " بعدَها شيءٌ يكون " مهيمنًا عليه " عطفًا عليه، (13) وإنما عطف به على " المصدق "، لأنه من صفة " الكتاب " الذي من صفته " المصدق ".* * *
فإن ظن ظان أن "
المصدق "= على قول مجاهد وتأويلهِ هذا= من صفة " الكاف " التي في" إليك "، فإن قوله: " لما بين يديه من الكتاب "، يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك، وأن يكون " المصدق " من صفة " الكاف " التي في" إليك ". لأن " الهاء " في قوله: " بين يديه "، كناية اسم غير المخاطب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " إليك ". (14) ولو كان " المصدق " من صفة " الكاف "، لكان الكلام: وأنـزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديك من الكتاب، (15) ومهيمنا عليه= فيكون معنى الكلام حينئذٍ كذلك. (16)* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
قال أبو جعفر: وهذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهلِ الملل بكتابه الذي أنـزله إليه، وهو القرآن الذي خصّه بشريعته. يقول تعالى ذكره: احكم، يا محمد، بين أهل الكتاب والمشركين بما أُنـزل إليك من كتابي وأحكامي في كل ما احتمكوا فيه إليك، من الحدود والجُرُوح والقَوَد والنفوس، فارجم الزاني المحصَن، واقتل النفسَ القاتلةَ بالنفس المقتولة ظلمًا، وافقأ العين بالعين، واجدع الأنف بالأنف، فإني أنـزلت إليك القرآن مصدِّقًا في ذلك ما بين يديه من الكتب، ومهيمنًا عليه رقيبًا، يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبلَه، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود= الذين يقولون: إن أوتيتم الجلدَ في الزاني المحصن دون الرجم، وقتلَ الوضيع بالشريف إذا قتله، وتركَ قتل الشريف بالوضيع إذا قتله، فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا (17) = عن الذي جاءك من عند الله من الحق، وهو كتاب الله الذي أنـزله إليك. يقول له: اعمل بكتابي الذي أنـزلته إليك إذا احتكموا إليك فاخترتَ الحكم عليهم، (18) ولا تتركنَّ العمل بذلك اتباعًا منك أهواءَهم، وإيثارًا لها على الحق الذي أنـزلته إليك في كتابي، كما:-
12124 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "
فاحكم بينهم بما أنـزل الله "، يقول: بحدود الله=" ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ".12125 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن عامر، عن مسروق: أنه كان يحلف اليهوديَّ والنصراني بالله، ثم قرأ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ [سورة المائدة: 49]، (19) وأنـزل الله: أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [سورة الأنعام: 151].
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لكل قوم منكم جعلنا شرعةً. (20)
* * *
و "
الشرعة " هي" الشريعة " بعينها، تجمع " الشرعة "" شِرَعًا "، (21) " والشريعة "" شرائع ". ولو جمعت " الشرعة "" شرائع "، كان صوابًا، لأن معناها ومعنى " الشريعة " واحد، فيردّها عند الجمع إلى لفظ نظيرها. وكل ما شرعت فيه من شيء فهو " شريعة ". ومن ذلك قيل: لشريعة الماء " شريعة "، لأنه يُشْرع منها إلى الماء. ومنه سميت شرائع الإسلام " شرائع "، لشروع أهله فيه. ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشيء: " هم شَرَعٌ"، سواءٌ.* * *
وأما " المنهاج "، فإنّ أصله: الطريقُ البيِّن الواضح، يقال منه: " هو طريق نَهْجٌ، وَمنهْجٌ"، بيِّنٌ، كما قال الراجز: (22)
مَــنْ يـكُ فِـي شَـكٍّ فَهـذَا فَلْـجُ
مَـــاءٌ رَوَاءٌ وَطَـــرِيقٌ نَهْــجُ (23)
ثم يستعمل في كل شيء كان بينًا واضحًا سهلا.
* * *
فمعنى الكلام: لكل قوم منكم جعلنا طريقًا إلى الحق يؤمُّه، وسبيلا واضحًا يعمل به.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: " لكل جعلنا منكم ".
فقال بعضهم: عنى بذلك أهلَ الملل المختلفة، أي: أن الله جعل لكل مِلّةٍ شريعة ومنهاجًا.
ذكر من قال ذلك:
12126 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " يقول: سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل.
12127 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: الدينُ واحد، والشريعةُ مختلفة.
12128 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي قال: الإيمان منذُ بَعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم: شهادةُ أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله، لكلّ قوم ما جاءَهم من شرعة أو منهاج، فلا يكون المقرُّ تاركًا، ولكنه مُطِيع. (24)
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك أمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم. وقالوا: إنما معنى الكلام: قد جعلنا الكتاب الذي أنـزلناه إلى نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أيها الناس، لكُلِّكم= أي لكل من دخل في الإسلام وأقرّ بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لي نبيٌّ= شرعةً ومنهاجا.
ذكر من قال ذلك:
12129 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " قال: سنة، =" ومنهاجًا "، السبيل=" لكلكم "، من دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجًا. يقول: القرآن، هو له شرعة ومنهاج.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: لكل أهل ملة منكم، أيها الأمم جعلنا شِرعةً ومنهاجًا.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولو كان عنى بقوله: " لكل جعلنا منكم "، أمة محمد، وهم أمّة واحدةٌ، لم يكن لقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة= معنىً مفهوم. ولكن معنى ذلك، على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفَّي بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله، وأنـزل عليه الإنجيل، وأمر من بَعثه إليه بالعمل بما فيه. ثم ذكر نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه أنـزل إليه الكتابَ مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه، والحكم بما أنـزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره= وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعةً غيرَ شرائع الأنبياء والأمم قبلَه الذين قصَّ عليهم قصصَهم، وإن كان دينه ودينهم- في توحيد الله، والإقرار بما جاءهم به من عنده، والانتهاء إلى أمره ونهيه- واحدًا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكم واحد منهم ولأمته فيما أحلّ لهم وحرَّم عليهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في" الشرعة " و " المنهاج " من التأويل، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
12130- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " قال: سنةً وسبيلا.
12131 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا.
12132 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان وإسرائيل وأبيه، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
12133 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو يحيى الرازي، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن وثَّاب قال: سألت ابن عباس عن قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا. (25)
12134 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " شرعة ومنهاجًا "، قال: سنة وسبيلا.
12135 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني تميم، عن ابن عباس، بمثله.
12136 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
12137 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " يعني: سبيلا وسنةً.
12138 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين قال: سمعت الحسن يقول: " الشرعة "، السنة.
12139 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد قال: سنة وسبيلا. (26)
12140 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " شرعة ومنهاجًا "، قال: " الشرعة "، السنة=" ومنهاجًا "، قال: السبيل.
12141 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
12142 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.
12143 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحوضي قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت رجلا من بني تميم، عن ابن عباس، بنحوه. (27)
12144 - حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.
12145 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: السنَّة والسبيل.
12146 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا "، يقول: سبيلا وسنة.
12147 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " شرعة ومنهاجًا "، قال: سبيلا وسنةً.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربُّكم لجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل لكل أمة شريعةً ومنهاجًا غيرَ شرائع الأمم الأخر ومنهاجهم، فكنتم تكونون أمة واحدةً لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم، ولكنه تعالى ذكره يعلم ذلك، فخالف بين شرائعكم ليختبركم، فيعرف المطيع منكم من العاصي، والعاملَ بما أمره في الكتاب الذي أنـزله إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم من المخالف.
* * *
و " الابتلاء ": هو الاختيار، وقد أبنتُ ذلك بشواهده فيما مضى قبلُ. (28)
* * *
وقوله: " في ما آتاكم "، يعني: فيما أنـزل عليكم من الكتب، كما:-
12148 - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، ثني حجاح، عن ابن جريج: (ولكن ليبلوكم في ما آتاكم) قال عبد الله بن كثير: لا أعلمه إلا قال، ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قال: " ليبلوكم في ما آتاكم "، ومن المخاطب بذلك؟ وقد ذكرت أنّ المعنيَّ بقوله: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا نبيُّنا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممِهم، والذين قبل نبيّنا صلى الله عليه وسلم على حِدَةٍ؟ (29)
قيل: إن الخطاب وإن كان لنبينا صلى الله عليه وسلم: فإنه قد أريد به الخبر عن الأنبياء قبله وأممهم. ولكن العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانًا وضمَّت إليه غائبًا، فأرادت الخبر عنه، أن تغلِّب المخاطب، فيخرج الخبرُ عنهما على وجه الخطاب، فلذلك قال تعالى ذكره: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبادروا أيها الناس، إلى الصالحات من الأعمال، والقُرَب إلى ربكم، بإدمان العمل بما في كتابكم الذي أنـزله إلى نبيكم، فإنه إنما أنـزله امتحانًا لكم وابتلاءً، ليتبين المحسن منكم من المسيء، فيجازي جميعكم على عمله جزاءَه عند مصيركم إليه، فإن إليه مصيركم جميعًا، فيخبر كلَّ فريق منكم بما كان يخالف فيه الفرقَ الأخرى، فيفْصَل بينهم بفصل القضاء، وتُبِينُ المحقَّ مجازاته إياه بجناته، (30) من المسيء بعقابه إياه بالنار، فيتبين حينئذ كل حزب عيانًا، المحقَّ منهم من المبطل. (31)
* * *
فإن قال قائل: أو لم ينبئنا ربُّنا في الدنيا قبل مرجعنا إليه ما نحن فيه مختلفون؟
قيل: إنه بيَّن ذلك في الدنيا بالرسل والأدلة والحجج، دون الثواب والعقاب عيانًا، فمصدق بذلك ومكذِّب. وأما عند المرجع إليه، فإنه ينبئهم بذلك بالمجازاة التي لا يشكُّون معها في معرفة المحق والمبطل، ولا يقدرون على إدخال اللبس معها على أنفسهم. فكذلك خبرُه تعالى ذكره أنه ينبئنا عند المرجع إليه بما كنَّا فيه نختلف في الدنيا. وإنما معنى ذلك: إلى الله مرجعكم جميعًا، فتعرفون المحقَّ حينئذ من المبطل منكم، كما:-
12149 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن أبي سنان قال: سمعت الضحاك يقول: " فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، البرُّ والفاجر. (32)
-----------------
الهوامش :
(8) انظر تفسير"الحق" فيما سلف 7: 97/9: 227.
(9) في المطبوعة: "وقال ابن جريج وآخرون"، والصواب من المخطوطة.
(10) الآثار 12107- 12113-"التميمي" و"رجل من تميم" ، هو"أربدة التميمي" ، يروي التفسير عن ابن عباس ، رواه عنه أبو إسحق السبيعي ، مضى برقم: 1928 ، 1929 ، ولكن كتب أخي السيد أحمد على الأثر رقم: 2095 ، ثم كتبت أنا على الآثار من رقم: 3986- 3989 ، أنه رجل مجهول من تميم ، ولكن الصواب أنه معروف وهو"أربدة التميمي" ، وهو تابعي ثقة. ثم انظر الآثار الآتية من رقم: 12116- 12118.
(11) الآثار: 12116- 12118-"التميمي" ، و"رجل من بني تميم" ، هو"أربدة التميمي" ، انظر التعليق السالف.
(12) في المطبوعة والمخطوطة: "ومهيمنًا" بالواو ، والصواب إسقاطها ، لأنه أراد إسقاط العطف ، إذ كان"مهيمنًا" حالا من"الكاف" في"إليك" ، غير معطوف على شيء قبله ، كما ترى في بقية كلامه.
(13) في المطبوعة: "لأنه متقدم من صفة الكاف التي في إليك وليس بعدها شئ..." ، فزاد"وليس" ، وليست في المخطوطة ، وجعل"يتقدم""متقدم" ، إذ كان في المخطوطة خطأ ، فأساء الفهم ، وأساء التصرف!! كان في المخطوطة كما أثبت إلا أنه كتب"لأنه يتقدم من صفة الكاف" سقط من الناسخ"لم" ، فأثبتها ، واستقام الكلام على وجهه.
(14) في المخطوطة: "والنبي صلى الله عليه..." بإسقاط"هو" ، والصواب ما في المطبوعة.
(15) في المخطوطة: "لما بين يديه" ، والصواب ما في المطبوعة.
(16) في المخطوطة: "فيكون معنى الكلام حينئذ يكون كذلك" ، بزيادة"يكون" ، والصواب ما في المخطوطة ، إلا أن يكون الناسخ أسقط من الكلام شيئًا. ومع ذلك ، فالذي في المطبوعة مستقيم.
(17) السياق: "ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود... عن الذي جاءك من عند الله...".
(18) في المطبوعة: "فاختر الحكم" ، والصواب ما في المخطوطة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخير في الحكم بينهم وفي ترك الحكم ، كما سلف ص: 333.
(19) في المخطوطة: "ثم قرأ: فإن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله" ، وصواب الاستدلال في هذه الآية من المائدة ، أما آية المائدة الأخرى (42) ، فتلاوتها: "فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" ، وليس فيها الدليل الذي تطلبه في استحلافهم بالله عز وجل.
(20) انظر تفسير"كل" فيما سلف 3: 193/6: 209/8: 269.
(21) في المطبوعة والمخطوطة: "تجمع الشرعة شراعًا" ، وهذا خطأ من الناسخ لاشك فيه ، فإن جمع"فعلة" (بكسر فسكون) إنما يكسر على"فعل" (بكسر ففتح) ، في الصحيح وفي غيره مثل"كسر" ، و"لحى". وقد جاء في"فعلة""فعال" ، وهو قليل ، كجمع"لقحة" و"لقاح" ، و"حقة" ، و"حقاق". فجائز أن يكون"شراع" جمعًا عزيزًا للشرعة ، ولكن الأقرب في مثل ذلك أن يذكر الجمع الذي أطبق عليه القياس.
(22) كأنه راجز من بني العنبر بن عمرو بن تميم.
(23) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 168 ، ومعجم ما استعجم: 1027 ، واللسان (روي) ، وروايتهم جميعًا: "من يك ذا شك". ولكن هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة.
و"فلج" (بفتح فسكون): ماءه لبني العنبر بن عمرو بن تميم ، يكثر ذكره في شعر بني تميم ، ويمتدحون ماءه ، قال بعض الأعراب:
أَلا شَـرْبَةٌ مِـنْ مَاءٍ مُزْنٍ عَلَى الصَّفَا
حَدِيثَــهُ عَهْـد بالسَّـحَاب المُسَـخَّرِ
إلَـى رَصَـفٍ مِـنْ بَطْـنِ فَلْجٍ، كأَنَّهَا
إذَا ذُقْتَهَــا بَيُّوتَــةً مَــاءُ سُــكَّرِ
و"ماء رواء" (بفتح الراء): الماء العذب الذي فيه للواردين ري.
(24) الأثر: 12128-"عبد الله بن هاشم" ، لم أعرف من يكون. وقد مضى في الإسنادين رقم: 7329 ، 7938 ، في مثل هذا الإسناد نفسه.
و"سيف بن عمر التميمي" ، مضى برقم: 7329 ، 7938 ، وهو ساقط الرواية. وكان في المطبوعة هنا أيضا ، كما في الإسنادين المذكورين: "سيف بن عمرو" ، وهو خطأ محض.
(25) الأثر: 12133-"أبو يحيى الرازي "أو"أبو يحيى العبدي" هو: "إسحق بن سلمان الرازي" ، ثقة. مضى برقم: 6456.
و"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان البرجمي". روى عن أبي إسحق السبيعي ، وروى عنه إسحق بن سليمان أبو يحيى الرازي. مضى برقم: 175 ، 11240. وكان في المطبوعة: "أبو شيبان" ، وهو خطأ صرف.
و"يحيى بن وثاب الأسدي" المقرئ. روى عن ابن عمر ، وابن عباس. وروى عنه أبو إسحق السبيعي. قال ابن سعد: "كان ثقة قليل الحديث صاحب قرآن". ومضى برقم: 11488.
(26) الأثر: 12139-"أبو يحيى القتات الكناني" ، مختلف في اسمه. وهو ضعيف متكلم فيه. مترجم في التهذيب.
(27) الأثر: 12143-"الحوضي" هو"حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة النمري" أبو عمر الحوضي ، ثقة ثبت متقن. مضى برقم: 11449.
(28) انظر تفسير"الابتلاء" فيما سلف 2: 49/3: 7/7: 574 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: "وقد ثبت ذلك" ، وليس بشيء ، أخطأ الناسخ ، صوابها ما أثبت.
(29) كانت هذه الجملة في المطبوعة: "وقد ذكرت أن المعنى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا. لكل نبي من الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم الذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، والمخاطب النبي وحده". غير ما في المخطوطة ، وحذف منه وزاد فيه. و في المخطوطة: "وقد ذكرت أن المعنى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا نبيا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم ، والذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم حده". وهو سياق لا يستقيم ، ورجحت أن الناسخ أسقط"قوله" قبل الآيه ، وأسقط"على" من قوله: "على حدة". لأن مراد أبي جعفر أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدخل في خطابه خطاب الأنبياء الذين قبله هم وأممهم. وأما الذي في المطبوعة ، فهو تصرف جاوز حده.
(30) في المطبوعة: "ويبين المحق بمجازاته إياه..." ، أساء قراءة المخطوطة ، فتصرف فيها.
(31) انظر تفسير"استبق" فيما سلف 3: 196= وتفسير"الخيرات" فيما سلف 3: 196= وتفسير"المراجع" فيما سلف 6: 464= وتفسير"أنبأ" و"النبأ" فيما سلف 1: 488 ، 489/6: 259 ، 404/10: 201
(32) الأثر: 12149-"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان" ، مضى قريبا برقم: 12133.
- ابن عاشور : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
جالت الآيات المتقدّمة جولة في ذكر إنزال التّوراة والإنجيل وآبت منها إلى المقصود وهو إنزال القرآن؛ فكان كردّ العجز على الصّدر لقوله : { يأيها الرسول لا يُحزنك الّذين يسارعون في الكفر } [ المائدة : 41 ] ليبيّن أنّ القرآن جاء نسخاً لما قبله ، وأنّ مؤاخذة اليهود على ترك العمل بالتّوراة والإنجيل مؤاخذة لهم بعملهم قبل مجيء الإسلام ، وليعلمهم أنّهم لا يطمعون من محمّد صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بينهم بغير ما شرعه الله في الإسلام ، فوقْعُ قوله : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ } إتماماً لترتيب نزول الكُتب السماويّة ، وتمهيداً لقوله : { فاحْكم بينهم بما أنزل الله } . ووقع قوله : { فاحكم بينهم بما أنزل الله } موقع التّخلّص المقصود ، فجاءت الآيات كلّها منتظمة متناسقة على أبدع وجه .
والكتاب الأوّل القرآن ، فتعْريفه للعهد . والكتاب الثّاني جنس يشمل الكتب المتقدّمة ، فتعريفه للجنس . والمُصدّق تقدّم بيانه .
والمهيمن الأظهر أنّ هاءه أصلية وأنّ فعله بوزن فيْعَل كسَيْطَر ، ولكن لم يسمع له فعل مجرّد فلم يسمع هَمَن .
قال أهل اللّغة لا نظير لهذا الفعل إلاّ هَيْنَم إذا دعا أو قرأ ، وبيقر إذا خرَج من الحِجاز إلى الشّام ، وسيطر إذا قَهر . وليس له نظير في وزن مفيعل إلاّ اسم فاعل هذه الأفعال ، وزادوا مُبيطر اسم طبيب الدّواب ، ولم يسمع بَيْطَر ولكن بَطَر ، ومُجيمر اسم جبل ، ذكره امرؤ القيس في قوله :
كأنّ ذرى رأس المُجَيْمِر غُدوة ... من السيل والغثاء فلكة مغزل
وفسّر المهيمن بالعالي والرقيب ، ومن أسمائه تعالى المهيمن .
وقيل : المهيمن مشتقّ من أمِن ، وأصله اسم فاعل من آمنَه عليه بمعنى استحفظه به ، فهو مجاز في لازم المعنى وهو الرقابة ، فأصله مُؤَأْمِن ، فكأنّهم راموا أن يفرّقوا بينه وبين اسم الفاعل من آمَن بمعنى اعتقد وبمعنى آمنه ، لأنّ هذا المعنى المجازي صار حقيقة مستقلّة فقلبوا الهمزة الثّانية ياء وقلبوا الهمزة الأولى هاء ، كما قالوا في أراق هَراق ، فقالوا : هَيْمَن .
وقد أشارت الآية إلى حالتي القرآن بالنّسبة لما قبله من الكتب ، فهو مؤيّد لبعض ما في الشّرائع مُقرّر له من كلّ حكم كانت مصلحته كلّيّة لم تختلف مصلحته باختلاف الأمم والأزمان ، وهو بهذا الوصف مُصَدّق ، أي مُحقّق ومقرّر ، وهو أيضاً مبطل لبعض ما في الشّرائع السالفة وناسخ لأحكام كثيرة من كلّ ما كانت مصالحه جزئيّة مؤقّتة مراعى فيها أحوال أقوام خاصّة .
وقوله : { فاحكم بينهم بما أنزل الله } أي بما أنزل الله إليك في القرآن ، أو بما أوحاه إليك ، أو احكم بينهم بما أنزل الله في التّوراة والإنجيل ما لم ينسخه اللّهُ بحكم جديد ، لأنّ شرع من قبلنا شرع لنا إذا أثبت الله شرعه لِمَنْ قبلنا . فحكم النّبيء على اليهوديين بالرجم حكم بما في التّوراة ، فيحتمل أنّه كان مؤيّداً بالقرآن إذا كان حينئذٍ قد جَاء قوله : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما» .
ويحتمل أنّه لم يؤيّد ولكن الله أوحى إلى رسوله أنّ حكم التّوراة في مثلهما الرجم ، فحكم به ، وأطلع اليهود على كتمانهم هذا الحكم . وقد اتّصل معنى قوله : { فاحكم بينهم بما أنزل الله } بمعنى قوله : { وإن حكمتَ فاحكم بينهم بالقسط } [ المائدة : 42 ] ؛ فليس في هذه الآية ما يقتضي نسخ الحكم المفاد من قوله : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } [ المائدة : 42 ] ، ولكنه بيان سمّاه بعضُ السلف باسم النسخ قبل أن تنضبط حدود الأسماء الاصطلاحيّة .
والنّهي عن اتّباع أهوائهم ، أي أهواء اليهود حين حكّموه طامعين أن يَحكم عليهم بما تَقَرّر من عوائِدهم ، مقصود منه النّهي عن الحكم بغير حكم الله إذا تحاكموا إليه ، إذ لا يجوز الحكم بغيره ولو كان شريعة سابقة ، لأنّ نزول القرآن مهيمناً أبطل ما خالفه ، ونزولَه مصدّقاً أيَّد ما وافقه وزكّى ما لم يخالفه .
والرسول لا يجوز عليه أن يحكم بغير شرع الله ، فالمقصود من هذا النّهي : إمَّا إعلان ذلك ليعلمه النّاس وييأس الطّامعون أن يحكم لهم بما يشتهون ، فخطاب النّبيء صلى الله عليه وسلم بقوله : { ولا تتّبع أهواءهم } [ المائدة : 49 ] مراد به أن يتقرّر ذلك في علم النّاس ، مثل قوله تعالى : { لئنْ أشركت ليحبَطنّ عملك } [ الزمر : 65 ] . وإمَّا تبيين الله لرسوله وجهَ ترجيح أحد الدليلين عند تعارض الأدلّة بأن لا تكون أهواء الخصوم طرُقاً للترجيح ، وذلك أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لشدّة رغبته في هُدى النّاس قد يتوقّف في فصل هذا التّحكيم ، لأنّهم وعَدوا أنّه إن حكم عليهم بما تقرّر من عوائدهم يؤمنون به . فقد يقال : إنّهم لمّا تراضَوا عليه لِم لا يُحملون عليه مع ظهور فائدة ذلك وهو دخولهم في الإسلام ، فبيّن الله له أنّ أمور الشّريعة لا تهاون بها ، وأنّ مصلحةَ احترام الشّريعة بين أهلها أرجحُ من مصلحة دخول فريق في الإسلام ، لأنّ الإسلام لا يليق به أن يكون ضعيفاً لمريديه ، قال تعالى : { يمُنّون عليكَ أنْ أسلموا قل لا تُمُنّوا عليّ إسلامَكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [ الحجرات : 17 ] .
وقوله : { لكلَ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } كالتعليل للنّهي ، أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم أو عوائدهم فدعهم وما اعتادوه وتمسَّكوا بشرعكم . .
والشرعة والشريعة : الماء الكثير من نهر أو واد . يقال : شريعة الفرات . وسمّيت الديانة شريعة على التشبيه ، لأنّ فيها شفاء النّفوس وطهارتَها . والعرب تشبّه بالماء وأحواله كثيراً ، كما قدمناه في قوله تعالى : { لَعَلِمه الّذين يستنبطونه منهم في سورة النساء ( 83 ) .
والمنهاج : الطريق الواسع ، وهو هنا تخييل أريد به طريق القوم إلى الماء ، كقول قيس بن الخطيم :
وأتبعت دلوي في السماح رِشاءها ... فذكر الرشاء مجرّد تخييل . ويصحّ أن يجعل له رديف في المشبَّه بأن تشبّه العوائد المنتزعة من الشّريعة ، أو دلائل التّفريع عن الشريعة ، أو طرق فهمها بالمنهاج الموصّل إلى السماء .
فمنهاج المسلمين لا يخالف الاتّصال بالإسلام ، فهو كمنهاج المهتدين إلى الماء ، ومنهاج غيرهم منحرف عن دينهم ، كما كانت اليهود قد جعلت عوائد مخالفة لشريعتهم ، فذلك كالمنهاج الموصّل إلى غير المورود . وفي هذا الكلام إبهام أريد به تنبيه الفريقين إلى الفرْق بين حاليهما وبالتّأمّل يظهر لهم .
وقوله : ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة } . الجعل : التقدير ، وإلاّ فإنّ الله أمر النّاس أن يكونوا أمّة واحدة على دين الإسلام ، ولكنّه رتّب نواميس وجبلاّت ، وسبَّب اهتداء فريق وضلال فريق ، وعلم ذلك بحسب ما خلق فيهم من الاستعداد المعبّر عنه بالتّوفيق أو الخذلان ، والميللِ أو الانصراففِ ، والعزم أو المكابرة . ولا عذر لأحد في ذلك ، لأنّ علم الله غير معروف عندنا وإنّما ينكشف لنا بما يظهر في الحادثات .
والأمّة : الجماعة العظيمة الّذين دينهم ومعتقدهم واحد ، هذا بحسب اصطلاح الشّريعة . وأصل الأمّة في كلام العرب : القوم الكثيرون الّذين يرجعون إلى نسب واحد ويتكلّمون بلسان واحد ، أي لو شاء لخلقكم على تقدير واحد ، كما خلق أنواع الحيوان غير قابلة للزّيادة ولا للتطوّر من أنفسها .
ومعنى { ليبلوكم فيما آتاكم } هو ما أشرنا إليه من خلق الاستعداد ونحوه . والبلاء : الخبرة . والمراد هنا ليظهر أثر ذلك للنّاس ، والمرادُ لازم المعنى على طريق الكناية ، كقول إياس بن قبيصة الطائي :
وأقبلتُ والخطيّ يخطر بيننا ... لأعْلَمَ مَن جَبَانُهَا مِن شجاعها
لم يرد لأعلم فقط ولكن أراد ليظهر لي وللنّاس . ومعناه أنّ الله وَكَل اختيار طرق الخير وأضدادها إلى عقول النّاس وكسبهم حكمة منه تعالى ليتسابَق النّاس إلى إعمال مواهبهم العقليّة فتظهر آثار العلم ويزداد أهل العلم علماً وتقام الأدلّة على الاعتقاد الصّحيح . وكلّ ذلك يظهر ما أودعه الله في جبلّة البشر من الصلاحيّة للخير والإرشاد على حسب الاستعداد ، وذلك من الاختبار . ولذلك قال { ليبلوكم فيما آتاكم } ، أي في جميع ما آتاكم من العقل والنّظر . فيظهر التّفاضل بين أفراد نوع الإنسان حتّى يَبلغ بعضُها درجاتتٍ عالية ، ومن الشرائع الّتي آتاكموها فيظهر مقدارُ عملكم بها فيحصل الجزاء بمقدار العمل .
وفرّع على { ليبلوكم } قوله : { فاستبقوا الخيرات } لأنّ بذلك الاستباق يكون ظهور أثر التّوفيق أوضَح وأجلى .
والاستباق : التسابق ، وهو هنا مجاز في المنافسة ، لأنّ الفاعل للخير لا يمنع غيره من أن يفعل مثل فعله أو أكثر ، فشابه التّسابق . ولتضمين فعل { استبقوا } بمعنى خذوا ، أو ابتدروا ، عدّي الفعل إلى { الخيرات } بنفسه وحقّه أن يعدّى بإلى ، كقوله { سَابقوا إلى مغفرة من ربّكم } [ الحديد : 21 ] . وقوله : { فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون } أي من الاختلاف في قبول الدّين .
- إعراب القرآن : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ» فعل ماض تعلق به الجار والمجرور ونا فاعله والكتاب مفعوله «بِالْحَقِّ» متعلقان بمحذوف حال من الكتاب «مُصَدِّقاً» حال ثانية «لِما» متعلقان بمصدقا «بَيْنَ» ظرف متعلق بمحذوف صلة ما «مِنَ الْكِتابِ» متعلقان بمحذوف حال «وَمُهَيْمِناً» عطف على «مُصَدِّقاً» «عَلَيْهِ» متعلقان بما قبلهما «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ» فعل أمر تعلق به الظرف بعده والفاء هي الفصيحة والجملة لا محل لها جواب شرط مقدر «بِما» متعلقان بأنزل اللّه الجملة صلة ما «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ» مضارع مجزوم بلا
و مفعوله وفاعله أنت والجملة معطوفة «عَمَّا جاءَكَ» عما متعلقان بمحذوف حال تقديره : مائلا عما جاءك والجملة صلة الموصول «مِنَ الْحَقِّ» متعلقان بمحذوف حال من فاعل جاءك المستتر. «لِكُلٍّ» متعلقان بجعلنا بعدهما أو مفعول أول لجعلنا «مِنْكُمْ» متعلقان بمحذوف صفة للاسم المحذوف الذي عوض عنه تنوين العوض في كل والتقدير : لكل أمة «شِرْعَةً» مفعول جعل «وَمِنْهاجاً» معطوف والجملة الفعلية مستأنفة «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ» فعل ماض ولفظ الجلالة فاعل ولو شرطية. «لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» الكاف مفعول جعل الأول وأمة مفعوله الثاني وواحدة صفة والجملة لا محل لها جواب لو الشرطية «وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ» لكن حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف ليبلوكم : اللام لام التعليل يبلوكم مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل ، والكاف مفعوله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف أراد ، والجملة معطوفة على ما قبلها «فِي ما آتاكُمْ» فيما متعلقان بيبلوك
- English - Sahih International : And We have revealed to you [O Muhammad] the Book in truth confirming that which preceded it of the Scripture and as a criterion over it So judge between them by what Allah has revealed and do not follow their inclinations away from what has come to you of the truth To each of you We prescribed a law and a method Had Allah willed He would have made you one nation [united in religion] but [He intended] to test you in what He has given you; so race to [all that is] good To Allah is your return all together and He will [then] inform you concerning that over which you used to differ
- English - Tafheem -Maududi : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(5:48) Then We revealed the Book to you (O Muhammad!) with Truth, confirming whatever of the Book was revealed before, *78 and protecting and guarding over it. *79 Judge, then, in the affairs of men in accordance with the Law that Allah has revealed, and do not follow their desires in disregard of the Truth which has come to you. For each of you We have appointed a Law and a way of life. *80 And had Allah so willed, He would surely have made you one single community; instead, (He gave each of you a Law and a way of life) in order to test you by what He gave you.
Vie, then, one with another in good works. Unto Allah is the return of all of you; and He will then make you understand the truth concerning the matters on which you disagreed. *81- Français - Hamidullah : Et sur toi Muhammad Nous avons fait descendre le Livre avec la vérité pour confirmer le Livre qui était là avant lui et pour prévaloir sur lui Juge donc parmi eux d'après ce qu'Allah a fait descendre Ne suis pas leurs passions loin de la vérité qui t'est venue A chacun de vous Nous avons assigné une législation et un plan à suivre Si Allah avait voulu certes Il aurait fait de vous tous une seule communauté Mais Il veut vous éprouver en ce qu'Il vous donne Concurrencez donc dans les bonnes cœvres C'est vers Allah qu'est votre retour à tous; alors Il vous informera de ce en quoi vous divergiez
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und Wir haben zu dir das Buch mit der Wahrheit hinabgesandt das zu bestätigen was von dem Buch vor ihm offenbart war und als Wächter darüber So richte zwischen ihnen nach dem was Allah als Offenbarung herabgesandt hat und folge nicht ihren Neigungen entgegen dem was dir von der Wahrheit zugekommen ist Für jeden von euch haben Wir ein Gesetz und einen deutlichen Weg festgelegt Und wenn Allah wollte hätte Er euch wahrlich zu einer einzigen Gemeinschaft gemacht Aber es ist so damit Er euch in dem was Er euch gegeben hat prüfe So wetteifert nach den guten Dingen Zu Allah wird euer aller Rückkehr sein und dann wird Er euch kundtun worüber ihr uneinig zu sein pflegtet
- Spanish - Cortes : Te hemos revelado la Escritura con la Verdad en confirmación y como custodia de lo que ya había de la Escritura Decide pues entre ellos según lo que Alá ha revelado y no sigas sus pasiones que te apartan de la Verdad que has recibido A cada uno os hemos dado una norma y una vía Alá si hubiera querido habría hecho de vosotros una sola comunidad pero quería probaros en lo que os dio ¡Rivalizad en buenas obras Todos volveréis a Alá Ya os informará Él de aquello en que discrepabais
- Português - El Hayek : Em verdade revelamoste o Livro corroborante e preservador dos anteriores Julgaos pois conforme o que Deusrevelou e não sigas os seus caprichos desviandote da verdade que te chegou A cada um de vós temos ditado uma lei e umanorma; e se Deus quisesse teria feito de vós uma só nação; porém fezvos como sois para testarvos quanto àquilo que vosconcedeu Emulaivos pois na benevolência porque todos vós retornareis a Deus o Qual vos inteirará das vossasdivergências
- Россию - Кулиев : Мы ниспослали тебе Писание с истиной в подтверждение прежних Писаний и для того чтобы оно предохраняло их или свидетельствовало о них; или возвысилось над ними Суди же их согласно тому что ниспослал Аллах и не потакай их желаниям уклоняясь от явившейся к тебе истины Каждому из вас Мы установили закон и путь Если бы Аллах пожелал то сделал бы вас одной общиной однако Он разделил вас чтобы испытать вас тем что Он даровал вам Состязайтесь же в добрых делах Всем вам предстоит вернуться к Аллаху и Он поведает вам о том в чем вы расходились во мнениях
- Кулиев -ас-Саади : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
Мы ниспослали тебе Писание с истиной в подтверждение прежних Писаний, и для того, чтобы оно предохраняло их (или свидетельствовало о них; или возвысилось над ними). Суди же их согласно тому, что ниспослал Аллах, и не потакай их желаниям, уклоняясь от явившейся к тебе истины. Каждому из вас Мы установили закон и путь. Если бы Аллах пожелал, то сделал бы вас одной общиной, однако Он разделил вас, чтобы испытать вас тем, что Он даровал вам. Состязайтесь же в добрых делах. Всем вам предстоит вернуться к Аллаху, и Он поведает вам о том, в чем вы расходились во мнениях.Всевышний ниспослал Пророку Мухаммаду, да благословит его Аллах и приветствует, самое лучшее и самое славное из Священных Писаний - Великий Коран. Он был ниспослан истинно, и его повествования, повеления и запреты тоже являются истинными. Он подтверждает правдивость Писаний, которые были ниспосланы прежде, поскольку свидетельствует о них и не противоречит им. Его повествования и основные законы совпадают с повествованиями и законами предыдущих Писаний. Кроме того, предыдущие Писания пророчествовали о его ниспослании, и его существование подтверждает правдивость содержащихся в них сведений. Коран оберегает предыдущие Писания, потому что содержит то, что содержали они, а также новые заповеди и нормы высокой нравственности. В нем уделяется внимание любой обязанности, которая была упомянута в предыдущих Писаниях. Коранические откровения велят выполнять эти обязанности, побуждают людей к этому и указывают на новые пути достижения этой цели. В этом Писании ниспосланы предания о первых поколениях людей и тех, кто пришел после них. В нем - закон, мудрость и религиозные предписания. По нему можно определять достоверность дошедших до нас предыдущих Писаний, и если оно подтверждает правдивость упомянутых в них сведений, то их можно принять, но если оно отвергает их, то их необходимо отвергнуть, поскольку предыдущие Писания претерпели искажения и изменения. В противном случае между ними и Священным Кораном не было бы противоречий. После упоминания об этом Аллах приказал судить людей по религиозному закону, который был ниспослан Пророку Мухаммаду, да благословит его Аллах и приветствует, и не потакать их порочным желаниям, которые могут уклонить их от истины. Нельзя потворствовать порочным желаниям, противоречащим истине, отворачиваясь от правдивого Писания, ниспосланного Пророку, да благословит его Аллах и приветствует. А тот, кто поступает так, обменивает хорошее на дурное. Затем Аллах сообщил, что для каждого народа были установлены законы и обычаи. Они отличались в зависимости от эпохи и положения людей, но все они были справедливыми и правильными во время их ниспослания. Что же касается важнейших предписаний религии, которые в любую эпоху служат на благо людям и соответствуют Божьей мудрости, то они не менялись и сохранялись во всех религиозных законодательствах. Если бы Аллаху было угодно, то все люди стали бы единой общиной и во все времена подчинялись бы единому закону. Однако Он пожелал подвергнуть их испытанию и посмотреть, как они будут поступать. Каждый народ подвергался испытанию, которое соответствовало божественной мудрости, и получал то, что заслуживал. По этой причине народы постоянно соперничают и пытаются опередить друг друга. Вот почему далее Аллах велел состязаться в добрых делах, то есть не медлить с ними и совершать их надлежащим образом. Под добрыми делами подразумеваются все обязательные и желательные предписания религии, касающиеся обязанностей человека перед Аллахом и перед Его рабами. Для того чтобы опередить других в добрых начинаниях и добиться наибольшего успеха, человек должен придерживаться двух принципов. Во-первых, он должен не медлить с добрыми делами и сразу же использовать предоставляемые ему возможности. Во-вторых, он должен проявлять усердие и совершать праведные дела надлежащим образом, как это приказал делать Аллах. Опираясь на этот аят, богословы призывают не медлить с намазом и совершать его в начале отведенного для него времени. Из него также следует, что при совершении намаза и других обрядов раб должен не ограничиваться выполнением обязательных предписаний, а дополнять их посильным выполнением желательных предписаний, чтобы усовершенствовать свое поклонение и опередить других. Все первые и последние поколения людей непременно вернутся к Аллаху. Он соберет их в день, в неизбежности которого нельзя усомниться, и поведает им обо всем, в чем они расходились во мнениях. И тогда люди, которые были верны истине и совершали праведные поступки, получат вознаграждение, а приверженцы лжи и грешники будут наказаны.
- Turkish - Diyanet Isleri : Kuran'ı önce gelen Kitap'ı tasdik ederek ve ona şahid olarak gerçekle sana indirdik Allah'ın indirdiği ile aralarında hükmet; gerçek olan sana gelmiş bulunduğuna göre onların heveslerine uyma Her biriniz için bir yol ve bir yöntem kıldık; eğer Allah dileseydi sizi bir tek ümmet yapardı fakat bu verdikleriyle sizi denemesi içindir; o halde iyiliklere koşuşun hepinizin dönüşü Allah'adır O ayrılığa düştüğünüz şeyleri size bildirir
- Italiano - Piccardo : E su di te abbiamo fatto scendere il Libro con la Verità a conferma della Scrittura che era scesa in precedenza e lo abbiamo preservato da ogni alterazione Giudica tra loro secondo quello che Allah ha fatto scendere non conformarti alle loro passioni allontanandoti dalla verità che ti è giunta Ad ognuno di voi abbiamo assegnato una via e un percorso Se Allah avesse voluto avrebbe fatto di voi una sola comunità Vi ha voluto però provare con quel che vi ha dato Gareggiate in opere buone tutti ritornerete ad Allah ed Egli vi informerà a proposito delle cose sulle quali siete discordi
- كوردى - برهان محمد أمين : ئێمه قورئانمان هاوڕێ لهگهڵ ههموو حهقیقهت و ڕاستیهکدا بۆ تۆ دابهزاندووه ڕاستی و دروستی کتێبهکانی پێش خۆیشی دیاری دهکات و چاودێره بهسهر ههموویاندا کاتێک خاوهنانی کتێب له گاورو جوو گیروگرفتیان دههێنن بۆ لای تۆ بهو بهرنامهیهی خوا ناردوویهتی داوهریی بکه له نێوانیانداو شوێن ئارهزووهکانی ئهوان مهکهوهو لهو حهقه لامهده که بۆت ڕهوانه کراوه بۆ ههرلایهکتان موسڵمانان و خاوهنانی کتێب بهرنامه و پڕۆگرامی تایبهتمان بڕیارداوه خۆ ئهگهر خوا بیویستایه ههر ههمووتانی دهکرده یهک ئوممهت و گهلێکی یهک پارچه بهڵام ویستی وایه بهو جیاوازیه تاقیتان بکاتهوه لهوهی پێی بهخشیوون تا بههۆی عهقڵ و ژیریتانهوه شوێنی پێغهمبهری ئیسلام بکهون دهی کهواته زۆر بهپهلهبن و پێشبڕکێ بکهن بۆ ههموو خێرو چاکهیهک دڵنیاش بن که ههمووتان دهگهڕێنهوه بۆ لای خوا ئهو کاته ههواڵی تهواوتان دهداتێ دهربارهی ئهو شتانهی که کێشهتان لهسهری ههبوو
- اردو - جالندربرى : اور اے پیغمبر ہم نے تم پر سچی کتاب نازل کی ہے جو اپنے سے پہلی کتابوں کی تصدیق کرتی ہے اور ان سب پر شامل ہے تو جو حکم خدا نے نازل فرمایا ہے اس کے مطابق ان کا فیصلہ کرنا اور حق جو تمہارے پاس اچکا ہے اس کو چھوڑ کر ان کی خواہشوں کی پیروی نہ کرنا ہم نے تم میں سے ہر ایک فرقے کے لیے ایک دستور اور طریقہ مقرر کیا ہے اور اگر خدا چاہتا تو سب کو ایک ہی شریعت پر کر دیتا مگر جو حکم اس نے تم کو دیئے ہیں ان میں وہ تمہاری ازمائش کرنی چاہتا ہے سو نیک کاموں میں جلدی کرو تم سب کو خدا کی طرف لوٹ کر جانا ہے پھر جن باتوں میں تم کو اختلاف تھا وہ تم کو بتا دے گا
- Bosanski - Korkut : A tebi objavljujemo Knjigu samu istinu da potvrdi knjige prije nje objavljene i da nad njima bdi I ti im sudi prema onome što Allah objavljuje i ne povodi se za prohtjevima njihovim i ne odstupaj od Istine koja ti dolazi; svima vama smo zakon i pravac propisali A da je Allah htio On bi vas sljedbenicima jedne vjere učinio ali On hoće da vas iskuša u onome što vam propisuje zato se natječite ko će više dobra učiniti; Allahu ćete se svi vratiti pa će vas On o onome u čemu ste se razilazili obavijestiti
- Swedish - Bernström : [Muhammad] Vi har uppenbarat Koranen för dig med sanningen som bekräftar det som består av [äldre tiders] uppenbarade Skrifter och vars uppgift det är att vaka över det Döm mellan dem [som följer dessa Skrifter] på grundval av det som Gud har uppenbarat [för dig] och ge inte efter för deras önskningar [som står i strid] med den sanning som du har fått ta emot För var och en av er har Vi fastställt en lag och en levnadsregel Om Gud hade velat hade Han helt visst gjort er till ett enda samfund men det var Hans vilja att sätta er på prov genom det som Han har skänkt er Tävla därför med varandra om att göra gott Till Gud skall ni alla vända åter och Han skall upplysa er om allt det som ni var oense om
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan Kami telah turunkan kepadamu Al Quran dengan membawa kebenaran membenarkan apa yang sebelumnya yaitu kitabkitab yang diturunkan sebelumnya dan batu ujian terhadap kitabkitab yang lain itu; maka putuskanlah perkara mereka menurut apa yang Allah turunkan dan janganlah kamu mengikuti hawa nafsu mereka dengan meninggalkan kebenaran yang telah datang kepadamu Untuk tiaptiap umat diantara kamu Kami berikan aturan dan jalan yang terang Sekiranya Allah menghendaki niscaya kamu dijadikanNya satu umat saja tetapi Allah hendak menguji kamu terhadap pemberianNya kepadamu maka berlombalombalah berbuat kebajikan Hanya kepada Allahlah kembali kamu semuanya lalu diberitahukanNya kepadamu apa yang telah kamu perselisihkan itu
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
(Dan telah Kami turunkan kepadamu) hai Muhammad (kitab) yakni Alquran (dengan kebenaran) berkaitan dengan anzalnaa (membenarkan apa yang terdapat di hadapannya) maksudnya yang sebelumnya (di antara kitab dan menjadi saksi) atau batu ujian (terhadapnya) kitab di sini maksudnya ialah kitab-kitab terdahulu. (Sebab itu putuskanlah perkara mereka) maksudnya antara ahli kitab jika mereka mengadu kepadamu (dengan apa yang diturunkan Allah) kepadamu (dan janganlah kamu mengikuti hawa nafsu mereka) dengan menyimpang (dari kebenaran yang telah datang kepadamu. Bagi tiap-tiap umat di antara kamu Kami beri) hai manusia (aturan dan jalan) maksudnya jalan yang nyata dan agama dan yang akan mereka tempuh. (Sekiranya dikehendaki Allah tentulah kamu dijadikan-Nya satu umat) dengan hanya satu syariat (tetapi) dibagi-bagi-Nya kamu kepada beberapa golongan (untuk mengujimu) mencoba (mengenai apa yang telah diberikan-Nya kepadamu) berupa syariat yang bermacam-macam untuk melihat siapakah di antara kamu yang taat dan siapa pula yang durhaka (maka berlomba-lombalah berbuat kebaikan) berpaculah mengerjakannya. (Hanya kepada Allahlah kembali kamu semua) dengan kebangkitan (maka diberitahukan-Nya kepadamu apa yang kamu perbantahkan itu) yakni mengenai soal agama dan dibalas-Nya setiap kamu menurut amal masing-masing.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : আমি আপনার প্রতি অবতীর্ণ করেছি সত্যগ্রন্থ যা পূর্ববতী গ্রন্থ সমূহের সত্যায়নকারী এবং সেগুলোর বিষয়বস্তুর রক্ষণাবেক্ষণকারী। অতএব আপনি তাদের পারস্পারিক ব্যাপারাদিতে আল্লাহ যা অবতীর্ণ করেছেন তদনুযায়ী ফয়সালা করুন এবং আপনার কাছে যে সৎপথ এসেছে তা ছেড়ে তাদের প্রবৃত্তির অনুসরণ করবেন না। আমি তোমাদের প্রত্যেককে একটি আইন ও পথ দিয়েছি। যদি আল্লাহ চাইতেন তবে তোমাদের সবাইকে এক উম্মত করে দিতেন কিন্তু এরূপ করেননিযাতে তোমাদেরকে যে ধর্ম দিয়েছেন তাতে তোমাদের পরীক্ষা নেন। অতএব দৌড়ে কল্যাণকর বিষয়াদি অর্জন কর। তোমাদের সবাইকে আল্লাহর কাছে প্রত্যাবর্তন করতে হবে। অতঃপর তিনি অবহিত করবেন সে বিষয় যাতে তোমরা মতবিরোধ করতে।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : மேலும் நபியே முற்றிலும் உண்மையைக் கொண்டுள்ள இவ்வேதத்தை நாம் உம்மீது இறக்கியுள்ளோம் இது தனக்கு முன்னிருந்த ஒவ்வொரு வேதத்தையும் மெய்ப்படுத்தக் கூடியதாகவும் அதைப் பாதுகாப்பதாகவும் இருக்கின்றது எனவே அல்லாஹ் அருள் செய்தசட்ட திட்டத்தைக் கொண்டு அவர்களிடையே நீர் தீர்ப்புச் செய்வீராக உமக்கு வந்த உண்மையை விட்டும் விலகி அவர்களுடைய மன இச்சைகளை நீர் பின்பற்ற வேண்டாம் உங்களில் ஒவ்வொரு கூட்டத்தாருக்கும் ஒவ்வொரு மார்க்கத்தையும் வழிமுறையையும் நாம் ஏற்படுத்தியுள்ளோம்; அல்லாஹ் நாடினால் உங்கள் அனைவரையும் ஒரே சமுதாயத்தவராக ஆக்கியிருக்கலாம்; ஆனால் அவன் உங்களுக்குக் கொடுத்திருப்பதைக் கொண்டு உங்களைச் சோதிப்பதற்காகவே இவ்வாறு செய்திருக்கிறான் எனவே நன்மையானவற்றின்பால் முந்திக் கொள்ளுங்கள் நீங்கள் யாவரும் அல்லாஹ்வின் பக்கமே மீள வேண்டியிருக்கிறது நீங்கள் எதில் மாறுபட்டு கொண்டிருந்தீர்களோ அதன் உண்மையினை அவன் உங்களுக்குத் தெளிவாக்கி வைப்பான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และเราได้ให้คัมภีร์ลงมาแก่เจ้า ด้วยความจริง ในฐานะเป็นที่ยืนยันคัมภีร์ที่อยู่เบื้องหน้ามันและเป็นที่ควบคุมคัมภีร์เบื้องหน้า นั้น ดังนั้นเจ้าจงตัดสินสินระหว่างพวกเขา ด้วยสิ่งที่อัลลอฮ์ทรงประทานลงมาเถิด และจงอย่าปฏิบัติตามความใคร่ใฝ่ต่ำของพวกเขา โดยเขวออกจากความจริงที่ได้มายังเจ้า สำหรับแต่ละประชาชาติในหมู่พวกเจ้านั้น เราได้ให้มีบทบัญญัติและแนวทางไว้ และหากอัลลอฮ์ทรงประสงค์แล้วแน่นอนก็ทรงให้พวกเจ้าเป็นประชาชาติเดียวกันแล้ว แต่ทว่าเพื่อที่จะทรงทดสอบพวกเจ้าในสิ่งที่พระองค์ได้ประทานแก่พวกเจ้า ดังนั้นพวกเจ้าจงแข่งขันกันในความดีทั้งหลายเถิด ยังอัลลอฮ์นั้นคือ การกลับไปของพวกเจ้าทั้งหมด แล้วพระองค์จะทรงแจ้งให้พวกเจ้าทราบในสิ่งที่พวกเจ้ากำลังขัดแย้งกันในสิ่งนั้น
- Uzbek - Мухаммад Содик : Ва Биз сенга китобни ҳақ ила ўзидан олдинги китобни тасдиқловчи ва унинг устидан назорат этгувчи қилиб нозил қилдик Бас улар орасида Аллоҳ нозил этган нарса ила ҳукм юрит Ўзингга келган ҳақни қўйиб уларнинг хоҳишларига эргашма Сизлардан ҳар бирингизга алоҳида шариат ва йўл қилиб қўйдик Агар Аллоҳ хоҳласа ҳаммангизни бир уммат қилиб қўяр эди Аммо У сизларни Ўзи ато этган нарсада синамоқ истайдир Яхшиликка шошилингиз Ҳаммангизнинг қайтар жойингиз Аллоҳ ҳузурида Бас ўшанда ихтилоф қилган нарсаларингиз ҳақида хабар берадир Қуръон ундан келиб чиқадиган Ислом шариати Аллоҳ томонидан тушган Ким уни инкор этса Аллоҳни инкор этади Яъни Қуръони Карим ўзидан олдинги китобларда келган илоҳий таълимотларни тасдиқлайди У охирги ва боқий китоб шунинг учун ҳам олдинги китобларга ҳақиқий баҳони у беради Қуръони Карим охирги китоб бўлгани учун ҳам ҳамма таълимотлар устидан нозир ва ҳакамдир Улардаги ихтилоф ва келишмовчиликлар ҳақидаги ҳукмлар ҳам Қуръондан чиқади
- 中国语文 - Ma Jian : 我降示你这部包含真理的经典,以证实以前的一切天经,而监护之。故你当依真主所降示的经典而为他们判决,你不要舍弃降临你的真理而顺从他们的私欲。我已为你们中每一个民族制定一种教律和法程。如果真主意欲,他必使你们变成一个民族。但他把你们分成许多民族,以便他考验你们能不能遵守他所赐予你们的教律和法程。故你们当争先为善。你们全体都要归于真主,他要把你们所争论的是非告诉你们。
- Melayu - Basmeih : Dan Kami turunkan kepadamu wahai Muhammad Kitab AlQuran dengan membawa kebenaran untuk mengesahkan benarnya Kitabkitab Suci yang telah diturunkan sebelumnya dan untuk memelihara serta mengawasinya Maka jalankanlah hukum di antara mereka Ahli Kitab itu dengan apa yang telah diturunkan oleh Allah kepadamu dan janganlah engkau mengikut kehendak hawa nafsu mereka dengan menyeleweng dari apa yang telah datang kepadamu dari kebenaran Bagi tiaptiap umat yang ada di antara kamu Kami jadikan tetapkan suatu Syariat dan jalan ugama yang wajib diikuti oleh masingmasing Dan kalau Allah menghendaki nescaya Ia menjadikan kamu satu umat yang bersatu dalam ugama yang satu tetapi Ia hendak menguji kamu dalam menjalankan apa yang telah disampaikan kepada kamu Oleh itu berlumbalumbalah kamu membuat kebaikan beriman dan beramal soleh Kepada Allah jualah tempat kembali kamu semuanya maka Ia akan memberitahu kamu apa yang kamu berselisihan padanya
- Somali - Abduh : Waxaana kugu Soo Dejiyey Kitaabka Xaqa Isagoo Rumayn wixii ka Horeeyey oo Kitaab ah Isagoo Marag iyo ILaaliye u ah ee ku kala Xukun Dhexdooda wuxuu soo Dejiyey Eebe hana ka Raacin Hawadooda waxa kuu Yimid oo Xaq ah Dhammaan waxaan u Yeellay Shareeco iyo Waddo hadduu Doono Eebana wuxuu idinka Yeeli Umad kaliya Laakiin wuu idinku Imtixaami wuxuu idin Siiyey ee u Tartama Khayrka Xagga Eebe yey Noqoshadiinu tahay Dhammaan wuxuuna idiinka Warrami waxaad isku Diidanaydeen
- Hausa - Gumi : Kuma Mun saukar da Littãfi zuwa gare ka da gaskiya yanã mai gaskatãwa ga abin da yake a gaba gare shi daga Littãfi Attaura da Injĩla kuma mai halartãwa a kansa sai ka yi hukunci a tsakãninsu da abin da Allah Ya saukar kuma kada ka bĩbiyi son zũciyõyiniu daga abin da ya zo maka daga gaskiya Ga kõwanne daga gare ku Mun sanya sharĩa da hanya ta bin ta Kuma dã Allah Yã so dã Yã sanya ku al'umma guda kuma amma dõmin Ya jarraba ku a cikin abin da Ya bã ku Sai ku yi tsere ga ayyukan alheri Zuwa ga Allah makõmarku take gabã ɗaya Sa'an nan Ya bã ku lãbãri ga abin da kuka kasance kunã sãɓãwa a cikinsa
- Swahili - Al-Barwani : Na tumekuteremshia wewe kwa haki Kitabu hichi kinacho sadikisha yaliyo kuwa kabla yake katika Vitabu na kuyalinda Basi hukumu baina yao kwa aliyo yateremsha Mwenyezi Mungu wala usifuate matamanio yao ukaacha Haki iliyo kujia Kila mmoja katika nyinyi tumemwekea sharia yake na njia yake Na lau kuwa Mwenyezi Mungu angeli taka ange kufanyeni nyote umma mmoja lakini ni kukujaribuni kwa aliyo kupeni Basi shindaneni kwa mambo ya kheri Kwa Mwenyezi Mungu ndio marejeo yenu nyote na atakuja kuwaambieni yale mliyo kuwa mkikhitalifiana
- Shqiptar - Efendi Nahi : Na ty o Muhammed ta kemi dërguar Librin Kur’anin me të vërtetë vërtetues të librit që e kanë përpara dhe dëshmues i tij Gjyko në mes tyre me atë që ka zbritur Perëndia dhe mos ndjek dëshirat e tyre për të mos devijuar në atë që të ka ardhur ty nga e Vërteta Na për të gjithë ju kemi bërë ligj një rrugë të qartë E sikur të donte Perëndia do t’u kishte bërë juve një popull por Ai don që t’ju provojë juve në ate që ju ka dhënë andaj bëni gara ju në punë të mira Të gjithë do të ktheheni te Perëndia e Ai do t’ju lajmërojë për çështjet në të cilat nuk jeni pajtuar ju
- فارسى - آیتی : و اين كتاب را به راستى بر تو نازل كرديم؛ تصديقكننده و حاكم بر كتابهايى است كه پيش از آن بودهاند. پس بر وفق آنچه خدا نازل كرده است در ميانشان حكم كن و از پى خواهشهاشان مرو تا آنچه را از حق بر تو نازل شده است واگذارى. براى هر گروهى از شما شريعت و روشى نهاديم. و اگر خدا مىخواست همه شما را يك امت مىساخت. ولى خواست در آنچه به شما ارزانى داشته است بيازمايدتان. پس در خيرات بر يكديگر پيشى گيريد. همگى بازگشتتان به خداست تا از آنچه در آن اختلاف مىكرديد آگاهتان سازد.
- tajeki - Оятӣ : Ва ин китобро ба ростӣ бар ту нозил кард ем; тасдиқкунанда ва ҳоким бар китобҳоест, ки пеш аз он будаанд. Пас мувофиқи он чӣ Худо нозил кардааст, дар миёнашон ҳукм кун ва аз паи хоҳишҳояшон марав, то он чиро аз ҳақ бар ту нозил шудааст, тарк кунӣ. Барон ҳар гурӯҳе аз шумо шариъат ва равише ниҳодем. Ва агар Худо мехост, ҳамаи шуморо як уммат месохт. Вале хост дар он чӣ бар шумо арзонӣ доштааст, биёзмоядатон. Пас дар некиҳо бар якдигар пешӣ гиред. Ҳамагӣ бозгаштатон ба Худост, то аз он чӣ дар он ихтилоф мекардед, огоҳатон созад.
- Uyghur - محمد صالح : (ئى مۇھەممەد!) بىز ساڭا ئۆزىدىن ئىلگىرى (ساماۋى) كىتابلارنى ئېتىراپ قىلغۇچى ۋە ئۇلارغا شاھىت بولغۇچى ھەق كىتابنى (يەنى قۇرئاننى) نازى قىلدۇق. (ئى مۇھەممەد!) ئۇلارنىڭ ئارىسىدا اﷲ ساڭا نازىل قىلغان قۇرئان (ئەھكامى) بويىچە ھۆكۈم قىلغىن، ساڭا كەلگەن ھەقتىن بۇرۇلۇپ، ئۇلارنىڭ نەپسى خاھىشلىرىغا ئەگەشمىگىن. (ئى ئۈممەتلەر!) سىلەرنىڭ ھەر بىرىڭلارغا بىرخىل شەرىئەت ۋە ئوچۇق يول تەيىن قىلدۇق. ئەگەر اﷲ خالىسا، ئەلۋەتتە، سىلەرنى بىر ئۈممەت قىلاتتى (يەنى پۈتۈن ئىنسانلارنى بىر دىندا قىلاتتى). لېكىن اﷲ سىلەرگە بەرگەن شەرىئەتلەر ئارىسىدا سىلەرنى سىناش ئۈچۈن (كۆپ ئۈممەت قىلىپ ئايرىدى). ياخشى ئىشلارغا ئالدىراڭلار. ھەممىڭلار اﷲ نىڭ دەرگاھىغا قايتىسىلەر، سىلەر ئىختىلاپ قىلىشقان نەرسىلەرنى (ئۇنىڭ قايسى ھەق، قايسى ناھەق ئىكەنلىكىنى) اﷲ سىلەرگە ئېيتىپ بېرىدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : പ്രവാചകരേ, നിനക്ക് നാമിതാ ഈ വേദപുസ്തകം സത്യസന്ദേശവുമായി അവതരിപ്പിച്ചുതന്നിരിക്കുന്നു. അത് മുന്വേദഗ്രന്ഥത്തില് നിന്ന് അതിന്റെ മുന്നിലുള്ളവയെ ശരിവെക്കുന്നതാണ്. അതിനെ ഭദ്രമായി കാത്തുരക്ഷിക്കുന്നതും. അതിനാല് അല്ലാഹു അവതരിപ്പിച്ചുതന്ന നിയമമനുസരിച്ച് നീ അവര്ക്കിടയില് വിധി കല്പിക്കുക. നിനക്കു വന്നെത്തിയ സത്യത്തെ നിരാകരിച്ച് അവരുടെ തന്നിഷ്ടങ്ങളെ പിന്പറ്റരുത്. നിങ്ങളില് ഓരോ വിഭാഗത്തിനും നാം ഓരോ നിയമവ്യവസ്ഥയും കര്മരീതിയും നിശ്ചയിച്ചു തന്നിട്ടുണ്ട്. അല്ലാഹു ഇച്ഛിച്ചിരുന്നെങ്കില് നിങ്ങളെ ഒന്നാകെ ഒരൊറ്റ സമുദായമാക്കുമായിരുന്നു. അങ്ങനെ ചെയ്യാത്തത് നിങ്ങള്ക്ക് അവന് നല്കിയതില് നിങ്ങളെ പരീക്ഷിക്കാനാണ്. അതിനാല് മഹത്കൃത്യങ്ങളില് മത്സരിച്ചു മുന്നേറുക. നിങ്ങളുടെയൊക്കെ മടക്കം അല്ലാഹുവിങ്കലേക്കാണ്. നിങ്ങള് ഭിന്നിച്ചുകൊണ്ടിരുന്ന കാര്യങ്ങളുടെയെല്ലാം നിജസ്ഥിതി അപ്പോള് അവന് നിങ്ങളെ അറിയിക്കുന്നതാണ്.
- عربى - التفسير الميسر : وانزلنا اليك ايها الرسول القران وكل ما فيه حق يشهد على صدق الكتب قبله وانها من عند الله مصدقا لما فيها من صحه ومبينا لما فيها من تحريف ناسخا لبعض شرائعها فاحكم بين المحتكمين اليك من اليهود بما انزل الله اليك في هذا القران ولا تنصرف عن الحق الذي امرك الله به الى اهوائهم وما اعتادوه فقد جعلنا لكل امه شريعه وطريقه واضحه يعملون بها ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحده ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم فيظهر المطيع من العاصي فسارعوا الى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القران فان مصيركم الى الله فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون ويجزي كلا بعمله
*78). This points to a fact of major significance. It could also have been said that the Qur'an confirms all those parts of the earlier divine books which are still extant in their true and original form. But the sense has been conveyed by employing the word 'the Book' rather than 'the previous Books'. This expression reveals that the Qur'an and all those Books sent down by God at various times and in different languages in reality constitute one and the same Book. Their Author is one and the same; their aim and purpose are the same; their teaching is the same; and the knowledge which they seek to impart to mankind is the same. The difference between these Books lies in their modes of expression, and this was necessarily so since they were addressed to different audiences. It is, therefore, not merely that these divine books support rather than contradict each other but that they are actually different editions of one and the same book - 'the Book'.
*79). In Arabic, haymana, yuhayminu, hayamanah signify 'to protect, to witness, to keep trust, to back and to support'. The expression 'haymana al-rajul al-shay' means that the man protected and guarded the thing. Likewise, 'haymana al-ta'ir 'alafirdkhih' means that the bird took its young ones under the protection of its wings. Once 'Umar said to the people: 'Inni da'in fa hayminu' ('I am praying; support me by saying amen'). To say that the Qur'an is muhaymin of al-kitab means that it preserves all the true teachings of the earlier divine books; that it has secured them from loss. The Qur'an also confirms those Books in that the contents of the Qur'an testify to the truth of those parts which are indeed from God. The Qur'an is, further, a witness over those Books in the sense that, with its help, the elements which embody true revelations from God can be distinguished from the accretions which have corrupted them. Whatever in these Books accords with the Qur'an is from God, and whatever is not in conformity with it is from human beings.
*80). This is a parenthetical phrase, the purpose of which is to elucidate a question which is likely to arise in the mind of the reader who has read the above section and might feel uneasy. The question is: Why do the religious laws propounded by the various Prophets differ in matters of detail even though the Prophets and their Books preach one and the same religion (din) and even confirm and support each other? Why is it that in regard to the prescribed forms of worship, the regulations concerning what is permitted and what is prohibited, and the detailed legal regulations governing the social and collective life, there is some disagreement among the various laws propounded by the different Prophets and the divine Books?
*81). This constitutes a detailed answer to the above question (see n. 80). It consists of the following points:
(1) It is a mistake to think that variations in religious laws result from a difference of source. It is God Himself Who altered the legal prescriptions to suit different nations at different times and in different circumstances.
(2) It was indeed possible, by divising one legal code for all human beings, for all men to have been made into one nation (ummah). But one of the many benevolent considerations keeping the religious laws of various Prophets different from one another was that God wanted this difference to become a means of testing people. Those who understand true religion, who have grasped its spirit and essence, and who are aware of the true importance of the different legal prescriptions, always recognize the Truth and accept it whatever its form. They have no hesitation in accepting the new ordinances of God in place of the old ones, in contrast to those who are not conversant with the spirit of true religion and who seem to identify it with a specific body of legal minutiae. Such people have overlaid God-given principles with their own legal deductions, and have sub sequently fossilized this entire amalgam, seeking to preserve it in its entirety. They have grown so attached to it that, in order to preserve it, they spurn every directive which subsequently comes to them from God. In order to distinguish the people of the first category from those of the second God made the legal prescriptions of the various Prophets vary.
(3) The real purpose of all the divine religious laws is the attainment of goodness and righteousness. This purpose can be achieved only when a man obeys whatever commandment he receives from God at a particular time. The proper mode of conduct for people who keep their eyes fixed on this true purpose is to strive for God's good pleasure rather than quarrel about differences in the legal prescriptions of the various Prophets.
(4) The differences which have arisen because of the unjustified rigidity, prejudice, obduracy and erroneous attitudes of the human mind can be finally settled neither in the debating hall nor on the battlefield. The final judgement will be made by God Himself. Then the reality of everything will be fully uncovered, and it will be clear how much truth and falsehood underlay the squabbles which whole lives were wasted over.