- عربي - نصوص الآيات عثماني : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
- عربى - نصوص الآيات : فأقم وجهك للدين حنيفا ۚ فطرت الله التي فطر الناس عليها ۚ لا تبديل لخلق الله ۚ ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون
- عربى - التفسير الميسر : فأقم -أيها الرسول أنت ومن اتبعك- وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه، فبقاؤكم عليه، وتمسككم به، تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده، لا تبديل لخلق الله ودينه، فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب العالمين وجنته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به -أيها الرسول- هو الدين الحق دون سواه.
- السعدى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } أي: انصبه ووجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة بأن تعبد اللّه فيها كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وخص اللّه إقامة الوجه لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن ولهذا قال: { حَنِيفًا } أي: مقبلا على اللّه في ذلك معرضا عما سواه.
وهذا الأمر الذي أمرناك به هو { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة.
ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"
{ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } أي: لا أحد يبدل خلق اللّه فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه اللّه، { ذَلِكَ } الذي أمرنا به { الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي: الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه وإلى كرامته، فإن من أقام وجهه للدين حنيفا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } فلا يتعرفون الدين القيم وإن عرفوه لم يسلكوه.
- الوسيط لطنطاوي : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يثبت على الحق الذى هداه - عز وجل - إليه فقال : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) والفاء هى الفصحية ، وقوله : ( أَقِمْ ) من الإِقامة على الشئ والثبات عليه ، وعدم التحول عنه .
قوله : ( حَنِيفاً ) من الحنف ، وهو الميل من الباطل إلى الحق ، وضده الجنف ، و ( حَنِيفاً ) حال من فاعل ( أَقِمْ ) .
أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لك - أيها الرسول الكريم - من بطلان الشكر فاثبت على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، وأقبل عى هذا الدين الذى أوحاه الله إليك ، بدون التفات عنه ، أو ميل إلى سواه .
قال صاحب الكشاف : قوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) أى : فقوم وجهك له وعدِّله ، غير ملتفت عنه يمينا أو شمالا ، وهو تمثيل لإِقباله على الدين واستقامته عليه وثباته ، واهتمامه بأسبابه ، فإن من اهتم بالشئ عقد عليه طرفه ، وسدد إليه نظره ، وقوم له وجهه ، مقبلا به عليه .
والمراد بالفطرة فى قوله - تعالى - : ( فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس ) الملة . أى : ملة الإِسلام والتوحيد .
أو المراد بها : قابلية الدين الحق ، والتهيؤ النفسى لادراكه . والأصل فيها أنها بمعنى الخلقة .
أى : اثبت - أيها الرسول الكريم - على هذا الدين الحق ، والزموا - أيها الناس - فطرة الله ، وهى ملة الحق ، التى فطر الناس عليها ، وخلقهم قابلين لها .
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : يقول - تعالى - : فسدد وجهك واستمر على الدين الذى شرعه الله لك ، من الحنيفية ملة إبراهيم ، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة ، التى فطر الله الخلق عليها ، فإنه - تعالى - : فطر خلقه على معرفته وتوحيده .
وفى الحديث : " إنى خلقت عبادى حنفاء ، فاجتالتهم - أى حولتهم - الشياطين عن دينهم " .
وروى البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أن ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول : فطرة الله التى فطر الناس عليها " .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وحّد الخطاب أولا ، ثم جمع؟ قلت : خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ، وخطاب الرسول خطاب لأمته ، مع ما فيه من التعظيم للإِمام ، ثم جمع بد ذلك للبيان والتلخيص .
وقوله : ( لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ) تعليل لما قبله من الأمر بلزوم الفطرة التى فطر - سبحانه - الناس عليها .
أى : الزموا فطرة الله التى هى دين الإِسلام ، وقبول تعاليمه والعمل بها ، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله - تعالى - لكم ، ولا تبديل ولا تغيير لما فطركم عليه وارتضاه لكم .
و ( ذَلِكَ ) الدين الذى اختاره - سبحانه - لكم ، هو ( الدين القيم ) أى : القويم المستقيم ، الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف .
فاسم الإِشارة يعود إلى الدين الذى أمرنا - سبحانه - بالثبات عليه ، فى قوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) .
وقوله - تعالى - : ( ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ) استدراك لبيان موقف الناس من هذا الدين القيم .
أى : ذلك الدين الذى ارتضيته لكم هو الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة ، بسبب استحواذ الشيطان عليهم ، واتباعهم للأهواء الزائفة ، والتقاليد الفاسدة .
- البغوى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
قوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين ) أي : أخلص دينك لله ، قاله سعيد بن جبير ، وإقامة الوجه : إقامة الدين ، وقال غيره : سدد عملك . والوجه ما يتوجه إليه الإنسان ، ودينه وعمله مما يتوجه إليه لتسديده ) ( حنيفا ) مائلا مستقيما عليه ( فطرة الله ) دين الله ، وهو نصب على الإغراء ، أي : إلزم فطرة الله ( التي فطر الناس عليها ) أي : خلق الناس عليها ، وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين أن المراد بالفطرة : الدين ، وهو الإسلام . وذهب قوم إلى أن الآية خاصة في المؤمنين . وهم الذين فطرهم الله على الإسلام : أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال : حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من يولد يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتجون البهيمة ، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ ، قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " .
ورواه الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة من غير ذكر من يموت وهو صغير ، وزاد : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) . قوله : "
من يولد يولد على الفطرة " يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله : " ألست ، بربكم قالوا بلى " ( الأعراف - 172 ) ، وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار ، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ، قال تعالى : " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ( الزخرف - 87 ) ، وقالوا : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " ( الزمر - 3 ) ، ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا ، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ، ألا ترى أنه يقول : " فأبواه يهودانه " ؟ فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين ، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم " . ويحكى معنى هذا عن الأوزاعي ، وحماد بن سلمة .وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته ، أي : على خلقته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة أو الشقاوة ، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها ، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها ، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين ، فيحملانه - لشقائه - على اعتقاد دينهما . وقيل : معناه أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد ، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره . . . ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك على الفطرة السليمة والمحجة المستقيمة . ذكر أبو سليمان الخطابي هذه المعاني في كتابه .
قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) فمن حمل الفطرة على الدين قال : معناه لا تبديل لدين الله ، وهو خبر بمعنى النهي ، أي : لا تبدلوا دين الله . قال مجاهد ، وإبراهيم : معنى الآية الزموا فطرة الله ، أي دين الله ، واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك ( ذلك الدين القيم ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وقيل : لا تبديل لخلق الله أي : ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاء لا يتبدل ، فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا . وقال عكرمة ومجاهد : معناه تحريم إخصاء البهائم .
- ابن كثير : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
يقول تعالى : فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك ، من الحنيفية ملة إبراهيم ، الذي هداك الله لها ، وكملها لك غاية الكمال ، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة ، التي فطر الله الخلق عليها ، فإنه تعالى فطر خلقه على [ معرفته وتوحيده ، وأنه لا إله غيره ، كما تقدم عند قوله تعالى : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] ، وفي الحديث : " إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم " . وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على ] الإسلام ، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية .
وقوله : ( لا تبديل لخلق الله ) قال بعضهم : معناه لا تبدلوا خلق الله ، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها . فيكون خبرا بمعنى الطلب ، كقوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] ، وهذا معنى حسن صحيح .
وقال آخرون : هو خبر على بابه ، ومعناه : أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة ، لا يولد أحد إلا على ذلك ، ولا تفاوت بين الناس في ذلك; ولهذا قال ابن عباس ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد في قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) أي : لدين الله .
وقال البخاري : قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) : لدين الله ، خلق الأولين : [ دين الأولين ] ، والدين والفطرة : الإسلام .
حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " ؟ ثم يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) .
ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، به . وأخرجاه - أيضا - من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة ، فمنهم الأسود بن سريع التميمي . قال الإمام أحمد :
حدثنا إسماعيل ، حدثنا يونس ، عن الحسن عن الأسود بن سريع [ التميمي ] قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه ، فأصبت ظهرا ، فقتل الناس يومئذ ، حتى قتلوا الولدان . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟ " . فقال رجل : يا رسول الله ، أما هم أبناء المشركين ؟ فقال : " ألا إنما خياركم أبناء المشركين " . ثم قال : " لا تقتلوا ذرية ، لا تقتلوا ذرية " . وقال : " كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها " .
ورواه النسائي في كتاب السير ، عن زياد بن أيوب ، عن هشيم ، عن يونس - وهو ابن عبيد - عن الحسن البصري ، به .
ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال الإمام أحمد :
حدثنا هاشم ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا " .
ومنهم عبد الله بن عباس الهاشمي ، قال الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين ، فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعا بذلك .
وقد قال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : أتى علي زمان وأنا أقول : أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين ، وأولاد المشركين مع المشركين . حتى حدثني فلان عن فلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " . قال : فلقيت الرجل فأخبرني . فأمسكت عن قولي .
ومنهم عياض بن حمار المجاشعي ، قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا هشام ، حدثنا قتادة ، عن مطرف ، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته : " إن ربي - عز وجل - أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ، كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، ثم إن الله - عز وجل - نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب ، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان . ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا ، فقلت : يا رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة . قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك . وابعث جيشا نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك " . قال : " وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير متصدق . وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه . ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل ، أو الكذاب ، والشنظير : الفحاش .
انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من طرق عن قتادة ، به .
وقوله تعالى : ( ذلك الدين القيم ) أي : التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم ، ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلهذا لا يعرفه أكثر الناس ، فهم عنه ناكبون ، كما قال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) الآية [ الأنعام : 116 ] .
- القرطبى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قال الزجاج : فطرة منصوب بمعنى اتبع فطرة الله . قال : لأن معنى فأقم وجهك للدين اتبع الدين الحنيف واتبع فطرة الله . وقال الطبري : فطرة الله مصدر من معنى : فأقم وجهك لأن معنى ذلك : فطر الله الناس ذلك فطرة . وقيل : معنى ذلك اتبعوا دين الله الذي خلق الناس له ; وعلى هذا القول يكون الوقف على حنيفا تاما . وعلى القولين الأولين يكون متصلا ، فلا يوقف على حنيفا . وسميت الفطرة دينا لأن الناس يخلقون له ، قال جل وعز : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ويقال : عليها بمعنى لها ; كقوله تعالى : وإن أسأتم فلها . والخطاب ب أقم وجهك للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بإقامة وجهه للدين المستقيم ; كما قال : فأقم وجهك للدين القيم وهو دين الإسلام . وإقامة الوجه هو تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين ; وخص الوجه بالذكر لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه . ودخل في هذا الخطاب أمته باتفاق من أهل التأويل . و حنيفا معناه معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة .
الثانية : في الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة - في رواية ( على هذه الملة ) - أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم ; فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله في رواية : حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا : يا رسول الله ; أفرأيت من يموت صغيرا ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . لفظ مسلم .
الثالثة : واختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة ; منها الإسلام ; قاله أبو هريرة وابن شهاب وغيرهما ; قالوا : وهو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل ; واحتجوا بالآية وحديث أبي هريرة ، وعضدوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما : ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه ، إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين ، وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا وحراما . . الحديث . وبقوله صلى الله عليه وسلم : خمس من الفطرة . . فذكر منها قص الشارب ، وهو من سنن الإسلام ، وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث : أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه ، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة ; أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار .
وقال آخرون : الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها ; أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء ، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ . قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة . والفاطر : المبتدئ ; واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال : لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ; أي ابتدأتها . قال المروزي : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه . قال أبو عمر في كتاب التمهيد له : ما رسمه مالك في موطئه وذكر في باب القدر فيه من الآثار - يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا ، والله أعلم . ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي في قول الله تعالى : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة قال : من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى ، ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال الضلالة ، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة ، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه ، قال : وكان من الكافرين .
قلت : قد مضى قول كعب هذا في ( الأعراف ) وجاء معناه مرفوعا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل السوء ولم يدركه ، قال : أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم خرجه ابن ماجه في السنن . وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا ; فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا - ثم قال للذي في شماله - هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا . . وذكر الحديث ، وقال فيه : حديث حسن . وقالت فرقة : ليس المراد بقوله تعالى : فطر الناس عليها ولا قوله عليه السلام : كل مولود يولد على الفطرة العموم ؛ وإنما المراد بالناس المؤمنون ; إذ لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد ، وقد ثبت أنه خلق أقواما للنار ; كما قال تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم وأخرج الذرية من صلب آدم سوداء وبيضاء . وقال في الغلام الذي قتله الخضر : طبع يوم طبع كافرا . وروى أبو سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بنهار ; وفيه : وكان فيما حفظنا أن قال : ألا إن بني آدم خلقوا طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا ، ومنهم حسن القضاء حسن الطلب . ذكره حماد بن زيد بن سلمة في مسند الطيالسي قال : حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد . قالوا : والعموم بمعنى الخصوص كثير في لسان العرب ; ألا ترى إلى قوله عز وجل : تدمر كل شيء ولم تدمر السماوات والأرض . وقوله : فتحنا عليهم أبواب كل شيء ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة . وقال إسحاق بن راهويه الحنظلي : تم الكلام عند قوله : فأقم وجهك للدين حنيفا ثم قال : فطرة الله أي فطر الله الخلق فطرة إما بجنة أو نار ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : كل مولود يولد على الفطرة ولهذا قال : لا تبديل لخلق الله قال شيخنا أبو العباس : من قال هي سابقة السعادة والشقاوة فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن ; لأن الله تعالى قال : لا تبديل لخلق الله وأما في الحديث فلا ; لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير . وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر : الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه ; فكأنه قال : كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة ; يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته . واحتجوا على أن الفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ; لقول الله عز وجل : الحمد لله فاطر السماوات والأرض يعني خالقهن ، وبقوله : وما لي لا أعبد الذي فطرني يعني خلقني ، وبقوله : الذي فطرهن يعني خلقهن . قالوا : فالفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ; وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار . قالوا : وإنما المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ; ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا . واحتجوا بقوله في الحديث : كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء - يعني سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء يعني مقطوعة الأذن . فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها ; فيقال : هذه بحائر وهذه سوائب . يقول : فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر ولا إيمان ، ولا معرفة ولا إنكار كالبهائم السائمة ، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم ، وعصم الله أقلهم . قالوا : ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر والإيمان في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا ، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون . قالوا : ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا ؛ لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا ، قال الله تعالى : والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان ، أو معرفة أو إنكار . قال أبو عمر بن عبد البر : هذا أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها . ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى : إنما تجزون ما كنتم تعملون و كل نفس بما كسبت رهينة ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء . وقال : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك . والله أعلم . ويستحيل أن تكون الفطرة المذكورة الإسلام ، كما قال ابن شهاب ; لأن الإسلام والإيمان : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، وهذا معدوم من الطفل ، لا يجهل ذلك ذو عقل . وأما قول الأوزاعي : سألت الزهري عن رجل عليه رقبة أيجزي عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع ؟ قال : نعم ; لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام ; فإنما أجزى عتقه عند من أجازه ; لأن حكمه حكم أبويه . وخالفهم آخرون فقالوا : لا يجزي في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى ، وليس في قوله تعالى : كما بدأكم تعودون ولا في ( أن يختم الله للعبد بما قضاه له وقدره عليه ) دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو كافرا ; لما شهدت له العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا ، والحديث الذي جاء فيه : ( إن الناس خلقوا على طبقات ) ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها ; لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان ، وقد كان شعبة يتكلم فيه . على أنه يحتمل قوله : ( يولد مؤمنا ) ؛ أي يولد ليكون مؤمنا ، ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله فيه ، وليس في قوله في الحديث خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار أكثر من مراعاة ما يختم به لهم ; لا أنهم في حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا ، أو يعقل كفرا أو إيمانا .
قلت : وإلى ما اختاره أبو عمر واحتج له ، ذهب غير واحد من المحققين منهم ابن عطية في تفسيره في معنى الفطرة ، وشيخنا أبو العباس . قال ابن عطية : والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ، ويستدل بها على ربه ، ويعرف شرائعه ويؤمن به ; فكأنه تعالى قال : أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف ، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر ، لكن تعرضهم العوارض ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة . وقال شيخنا في عبارته : إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق ، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق . وقد دل على صحة هذا المعنى قوله : كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات ، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملا بريئا من العيوب ، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه ، فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل ; وكذلك الإنسان ، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح .
قلت : وهذا القول مع القول الأول موافق له في المعنى ، وأن ذلك بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا ، وتأكدت حجة الله عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة : من خلق السماوات والأرض ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، واختلاف الليل والنهار ; فلما عملت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية والنصرانية فذهبت بأهوائهم يمينا وشمالا ، وأنهم إن ماتوا صغارا فهم في الجنة ، أعني جميع الأطفال ؛ لأن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر أقروا له بالربوبية وهو قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا . ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية ، وأنه الله لا إله غيره ، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقيا أو سعيدا على الكتاب الأول ; فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ، ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم فيصير سعيدا ، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة ، ومن كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم ; لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم ولم ينقض الميثاق ، ذهب إلى هذا جماعة من أهل التأويل ، وهو يجمع بين الأحاديث ، ويكون معنى قوله عليه السلام لما سئل عنأولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين يعني لو بلغوا . ودل على هذا التأويل أيضا حديث البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث الطويل حديث الرؤيا ، وفيه قوله عليه السلام : وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام ، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة . قال فقيل : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين . وهذا نص يرفع الخلاف ، وهو أصح شيء روي في هذا الباب ، وغيره من الأحاديث فيها علل وليست من أحاديث الأئمة الفقهاء ; قاله أبو عمر بن عبد البر . وقد روي من حديث أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال : لم تكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة ، ولم تكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار ، فهم خدم لأهل الجنة ذكره يحيى بن سلام في التفسير له . قد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب التذكرة ، وذكرنا في كتاب المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس ما ذكره أبو عمر من ذلك ، والحمد لله .
وذكر إسحاق بن راهويه قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : أخبرنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال : سمعت ابن عباس يقول : لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو متقاربا - أو كلمة تشبه هاتين - حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر . قال يحيى بن آدم فذكرته لابن المبارك فقال : أيسكت الإنسان على الجهل ؟ قلت : فتأمر بالكلام ؟ قال فسكت . وقال أبو بكر الوراق : فطرة الله التي فطر الناس عليها هي الفقر والفاقة ; وهذا حسن ; فإنه منذ ولد إلى حين يموت فقير محتاج ، نعم ، وفي الآخرة .
قوله تعالى : لا تبديل لخلق الله أي هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق . ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه ; أي لا يشقى من خلقه سعيدا ، ولا يسعد من خلقه شقيا . وقال مجاهد : المعنى لا تبديل لدين الله ; وقاله قتادة وابن جبير والضحاك وابن زيد والنخعي ، قالوا : هذا معناه في المعتقدات . وقال عكرمة : وروي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب أن المعنى : لا تغيير لخلق الله من البهائم أن تخصى فحولها ; فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان . وقد مضى هذا في ( النساء ) . ذلك الدين القيم أي ذلك القضاء المستقيم ; قاله ابن عباس . وقال مقاتل : ذلك الحساب البين . وقيل : ذلك الدين القيم أي دين الإسلام هو الدين القيم المستقيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقا معبودا ، وإلها قديما سبق قضاؤه ونفذ حكمه .
- الطبرى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
القول في تأويل قوله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)
يقول تعالى ذكره: فسدّد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك يا محمد لطاعته، وهي الدين، (حَنِيفًا) يقول: مستقيما لدينه وطاعته (فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا) يقول: صنعة الله التي خلق الناس عليها ونصبت " فطرة " على المصدر من معنى قوله: (فَأقِم وَجْهَكَ للدّينِ حَنِيفًا) وذلك أن معنى ذلك: فطر الله الناس على ذلك فطرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَر النَّاسَ عَلَيْها) قال: الإسلام مُذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرّون بذلك، وقرأ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا قال: فهذا قول الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ بعد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فِطْرَةَ اللهِ) قال: الإسلام.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي صالح، &; 20-98 &; عن يزيد بن أبي مريم، قال: مرّ عمر بمُعاذ بن جبل، فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث، وهنّ المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)، والصلاة: وهي الملة، والطاعة: وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة أن عمر قال لمعاذ: ما قوام هذه الأمة؟ ثم ذكر نحوه.
وقوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يقول: لا تغيير لدين الله؛ أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) قال: لدينه.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له: قاسم، إلى عكرِمة يسأله عن قول الله: (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) إنما هو الدين، وقرأ: (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ ذلكَ الدّينُ القَيِّمُ).
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرِمة (فطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) قال: الإسلام.
قال: ثني أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة (لا تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.
قال: ثني أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: لدين الله.
قال: ثنا أبي، عن عبد الجبار بن الورد، عن القاسم بن أبي بزّة، قال: قال مجاهد، فسل عنها عكرِمة، فسألته، فقال عكرِمة: دين الله تعالى ما له أخزاه الله؟! ألم يسمع إلى قوله: (فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ)؟
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) : أي لدين الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن عكرِمة، قال: &; 20-99 &; لدين الله.
قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، قال: قال سعيد بن جُبَير (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.
قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: دين الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر وسفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم، قال: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال: لدين الله.
قال: ثنا أبي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لدين الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيير لخلق الله من البهائم، بأن يخصي الفحول منها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن رجل، سأل ابن عباس عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).
قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، قال: قال عكرِمة: الإخصاء.
قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن مجاهد، قال: الإخصاء.
وقوله: (ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ) يقول تعالى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنيفا، غير مغير ولا مبدّل، هو الدين القيم، يعني: المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة.
وقد وجَّه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة (ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) قال: الحساب القيم.
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي (فَأقمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حَنِيفا) هو الدين الحقّ دون سائر الأديان غيره.
- ابن عاشور : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
الفاء فصيحة . والتقدير : إذا علمت أحوال المعرضين عن دلائل الحق فأقم وجهك للدين . والأمر مستعمل في طلب الدوام . والمقصود : أن لا تهتم بإعراضهم ، كقوله تعالى { فإن حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي لله ومن اتبعن } [ آل عمران : 20 ] وقوله { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } [ هود : 112 ] ( أي من آمن ) وقوله { أدْعوا إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتّبعن } [ يوسف : 108 ] .
فالمعنى : فأقم وجهك للدين والمؤمنون معك ، كما يؤذن به قوله بعده { منيبين إليه واتقوه } [ الروم : 31 ] بصيغة الجمع .
وإقامة الوجه : تقويمه وتعديله باتجاهه قبالة نظره غير ملتفت يميناً ولا شمالاً . وهو تمثيل لحالة الإقبال على الشيء والتمحض للشغل به بحال قصر النظر إلى صوب قبالته غير ملتفت يَمْنَةً ولا يَسْرَةً ، وهذا كقوله تعالى { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادْعُوه مخلصين } [ الأعراف : 29 ] وقوله حكاية عن إبراهيم { إني وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض } [ الأنعام : 79 ] وقوله تعالى { فقل أسلمتُ وجهي لله } [ آل عمران : 20 ] ، أي أعطيته لله ، وذلك معنى التمحيض لعبادة الله وأن لا يلتفت إلى معبود غيره .
والتعريف في { الدين } للعهد وهو دينهم الذي هم عليه وهو دين الإسلام . و { حنيفاً } يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستتر في فعل { أقم } فيكون حالاً للنبي صلى الله عليه وسلم كما كان وصفاً لإبراهيم عليه السلام في قوله تعالى { إن إبراهيم كان أمةً قانتاً لله حنيفاً } [ النحل : 120 ] ، وهذا هو الأظهر في تفسيره . ويجوز كونه حالاً من الدين على ما فسر به الزجاج فيكون استعارة بتشبيه الدين برجل حنيف في خلوّه من شوائب الشرك ، فيكون الحنيف تمثيلية وفي إثباته للدين استعارة تصريحية .
وحنيف : صيغة مبالغة في الاتصاف بالحَنَف وهو الميْل ، وغلب استعمال هذا الوصف في الميل عن الباطل ، أي العدول عنه بالتوجه إلى الحق ، أي عادلاً ومنقطعاً عن الشرك كقوله تعالى { قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } وقد مضى في سورة البقرة ( 135 ) .
وفطرة الله } بدل من { حنيفاً } بدل اشتمال فهو في معنى الحال من { الدين } أيضاً وهو حال ثانية فإن الحال كالخبر تتعدد بدون عطف على التحقيق عند النحاة . وهذا أحسن لأنه أصرح في إفادة أن هذا الدين مختص بوصفين هما : التبرؤ من الإشراك ، وموافقتُه الفطرة ، فيفيد أنه دين سمح سهل لا عنت فيه . ونظيره قوله تعالى { ولم يجعل له عِوجاً قيّماً } [ الكهف : 1 ، 2 ] أي الدين الذي هو فطرة الله لأن التوحيد هو الفطرة ، والإشراك تبديلٌ للفطرة . والفطرة أصله اسم هيئة من الفَطْر وهو الخَلْق مثل الخِلقة كما بيّنه قوله { التي فَطَرَ الناس عليها } أي جَبَلَ الناسَ وخلقهم عليها ، أي متمكنين منها . فحرف الاستعلاء مستعار لتمكن ملابسة الصفة بالموصوف تمكناً يشبه تمكن المعتلي على شيء ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى { أولئك على هدى من ربهم } في سورة البقرة ( 5 ) ، وحقيقة المعنى : التي فطر الناس بها .
ومعنى فطر الناس على الدين الحنيف أن الله خلق الناس قابلين لأحكام هذا الدين وجعل تعاليمه مناسبة لخلقتهم غير مجافية لها ، غير نائين عنه ولا منكرين له مثل إثبات الوحدانية لله لأن التوحيد هو الذي يساوق العقل والنظر الصحيح حتى لو ترك الإنسان وتفكيره ولم يلقَّن اعتقاداً ضالاً لاهتدى إلى التوحيد بفطرته . قال ابن عطية : والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أي الفطرة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الإنسان التي هي مُعِدَّة ومُهَيِّئَة لأن يميز بها مصنوعات الله ، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه . اه .
وإن لم أر من أتقن الإفصاح عن معنى كون الإسلام هو الفطرة فأبينه : بأن الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق ، والفطرة التي تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً ، فمشي الإنسان برجليه فطرة جسدية ، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية ، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية ، ومحاولة استنتاج أمر من غير سببه خلاف الفطرة العقلية وهو المسمى في علم الاستدلال بفساد الوضع ، وجزمنا بأن ما نبصره من الأشياء هو حقائق ثابتة في الوجود ونفس الأمر فطرة عقلية ، وإنكار السوفسطائية ثبوت المحسوسات في نفس الأمر خلاف الفطرة العقلية .
وقد بين أبو علي ابن سينا حقيقة الفطرة في كتابه { النجاة } فقال : «ومعنى الفطرة أن يتوهم الإنسان نفسه حصل في الدنيا دفعة وهو عاقل لكنه لم يسمع رأياً ولم يعتقد مذهباً ولم يعاشر أمة ولم يعرف سياسة ، ولكنه شاهَدَ المحسوسات وأخذ منها الحالات ، ثم يَعرضَ على ذهنه شيئاً ويتشكك فيه فإن أمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به وإن لم يمكنه الشك فهو ما توجبه الفطرة ، وليس كل ما توجبه فطرة الإنسان بصادق إنما الصادق فطرة القوة التي تسمى عقلاً ، وأما فطرة الذهن بالجملة فربما كانت كاذبة ، وإنما يكون هذا الكذب في الأمور التي ليست محسوسة بالذات بل هي مبادىء للمحسوسات . فالفطرة الصادقة هي مقدمات وآراء مشهورة محمودة أوجب التصديقَ بها : إما شهادة الكل مثل : أنَّ العدل جميل ، وإما شهادة الأكثر؛ وإما شهادة العلماء أو الأفاضل منهم . وليست الذائعات من جهة ما هي ذائعات مما يقع التصديق بها في الفطرة فما كان من الذائعات ليس بأوَّلي عقلي ولا وهَمِيّ فإنها غير فطرية ، ولكنها متقررة عند الأنفس لأن العادة مستمرة عليها منذ الصبا وربما دعا إليها محبة التسالم والاصطناع المضطر إليهما الإنسان ، أو شيء من الأخلاق الإنسانية مثل الحياء والاستئناس أو الاستقراءُ الكثير ، أو كون القول في نفسه ذا شرط دقيق لأن يكون حقاً صِرفاً فلا يُفْطَن لذلك الشرط ويؤخذ على الإطلاق ، اه . فوصف الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جار على مقتضى الفطرة العقلية ، وأما تشريعاته وتفاريعه فهي : إما أمور فطرية أيضاً ، أي جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به ، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته .
وقوانين المعاملات فيه هي راجعة إلى ما تشهد به الفطرة لأن طلب المصالح من الفطرة . وتفصيل ذلك ليس هذا موضعه وقد بينته في كتابي المسمى «مقاصد الشريعة الإسلامية» . واعلم أن شواهد الفطرة قد تكون واضحة بينة وقد تكون خفية ، كما يقتضيه كلام الشيخ ابن سينا ، فإذا خفيت المعاني الفطرية أو التبست بغيرها فالمضطلعون بتمييزها وكشفها هم العلماء الحكماء الذين تمرسوا بحقائق الأشياء والتفريق بين متشابهاتها ، وسبروا أحوال البشر ، وتعرضت أفهامهم زماناً لتصاريف الشريعة ، وتوسموا مراميها ، وغاياتها وعصموا أنفسهم بوازع الحق عن أن يميلوا مع الأهواء .
إن المجتَمع الإنساني قد مُني عصوراً طويلة بأوهام وعوائد ومألوفات أدخلها عليه أهل التضليل ، فاختلطت عنده بالعلوم الحق فتقاول الناس عليها وارتاضوا على قبولها ، فالتصقت بعقولهم التصاق العنكبوت ببيته ، فتلك يخاف منها أن تُتلقى بالتسليم على مرور العصور فيعسر إقلاعهم عنها وإدراكهم ما فيها من تحريف عن الحَق ، فليس لتمييزها إلا أهل الرسوخ أصحاب العلوم الصحيحة الذين ضربوا في الوصول إلى الحقائق كلَّ سبيل ، واستوضحوا خطيرها وسليمها فكانوا للسابلة خيرَ دليل . وكونُ الإسلام هو الفطرة ، وملازمة أحكامه لمقتضيَات الفطرة صفة اختص بها الإسلام من بين سائر الأديان في تفاريعه ، أما أصوله فاشتركت فيها الأديان الإلهية ، وهذا ما أفاده قوله { ذلك الدين القيّم . } فالإسلام عام خالد مناسب لجميع العصور وصالح بجميع الأمم ، ولا يستتب ذلك إلا إذا بنيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية ليكون صالحاً للناس كافة وللعصور عامة وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحاً يُسْراً لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة .
وفي قوله { التي فطر الناس عليها } بيان لمعنى الإضافة في قوله { فطرة الله } وتصريح بأن الله خلق الناس سالمةٌ عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة ، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جرَّاء التلقي والتعود ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " يولد الولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصِّرانه أو يُمجسانه كما تُنتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء هل تُحِسُّون فيها من جَدعاء " أي كما تولد البهيمة من إبل أو بقر أو غنم كاملة جمعاء أي بذيلها ، أي تُولد كاملة ويعمد بعض الناس إلى قطع ذيلها وجدعه وهي الجدعاء ، و ( تُحسون ) تدركون بالحس ، أي حاسّة البصر . فجعل اليهودية والنصرانية مخالفة الفطرة ، أي في تفاريعهما . وفي «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه : " وإني خلقت عبادي حُنفاء كلهم أي غير مشركين وأنهم أتتهم الشياطين فأجالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحلَلْتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً "
الحديث
وجملة { لا تبديل لخلق الله } مبيِّنة لمعنى { فطرة الله التي فطر الناس عليها } فهي جارية مجرى حال ثالثة من { الدّين } على تقدير رابط محذوف . والتقدير : لا تبديل لخلق الله فيه ، أي في هذا الدين ، فهو كقوله في حديث أم زرع في قول الرابعة : زوجي كلَيْل تهامة لا حرَّ ولا قُرَّ ولا مخافة ولا سآمة أي في ذلك الليل .
فمعنى { لا تبديل لخلق الله } أنه الدين الحنيف الذي ليس فيه تبديل لخلق الله خلاف دين أهل الشرك ، قال تعالى عن الشيطان : { ولآمرنهم فَلُيغيِّرُنَّ خلقَ الله } [ النساء : 119 ] . ويجوز أن تكون جملة { لا تبديل لخلق الله } معترضة لإفادة النهي عن تغيير خلق الله فيما أودعه الفطرة . فتكون { لا تبديل لخلق الله } خبراً مستعملاً في معنى النهي على وجه المبالغة كقوله { لا تَقْتُلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] . فنفي الجنس مراد به جنس من التبديل خاص بالوصف لا نفي وقوع جنس التبديل فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة . واسم الإشارة لزيادة تمييز هذا الدين مع تعظيمه .
و { القيِّم : وصف بوزن فَيْعِل مثل هيِّن وليِّن يفيد قوة الاتصاف بمصدره ، أي البالغ قوة القيام مثل استقام الذي هو مبالغة في قام كاستجاب .
والقيام : حقيقته الانتصابُ ضد القعود والاضطجاع ، ويطلق مجازاً على انتفاء الاعوجاج يقال : عود مستقيم وقيم ، فإطلاق القيم على الدين تشبيه انتفاء الخطإ عنه باستقامة العود وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس ، كما في قوله تعالى : { ولم يجعل له عِوجاً قيماً }
[ الكهف : 1 ، 2 ] وقال تعالى : في سورة براءة ( 36 ) .ويطلق أيضاً على الرعاية والمراقبة والكفالة بالشيء لأنها تستلزم القيام والتعهد قال تعالى { أفَمَنْ هو قائم على كل نفس بما كسبت } [ الرعد : 33 ] ، ومنه قلنا لراعي التلامذة ومراقب أحوالهم : قَيِّم . ويطلق القيم على المهيمن والحافظ . والمعاني كلها صالحة للحمل عليها هنا ، فإن هذا الكتاب معصوم عن الخطأ ومتكفل بمصالح الناس ، وشاهد على الكتب السالفة تصحيحاً ونسخاً قال تعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } وتقدم في طالع سورة المائدة ( 48 ) . فهذا الدين به قوام أمر الأمة . قال عمر بن الخطاب لمعاذ بن جبل : يا معاذ ما قِوام هذه الأمة؟ قال : الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والصلاة وهي الدين ، والطاعة وهي العصمة ، فقال عمر : صدقت . يريد معاذٌ بالإخلاص التوحيد كقوله تعالى { مخلصين له الدين حنفاء } [ البينة : 5 ] .
والاستدراك في قوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } لدفع توهم واهِم يقول إذا كان هو دين الفطرة وهو القيِّم فكيف أعرض كثير من الناس عنه بعد تبليغه ، فاستدرك ذلك بأنهم جهال لا علم عندهم فإن كان قد بلغهم فإنهم جهلوا معانيه لإعراضهم عن التأمل ولا يعلمون منه إلا ما لا يفيدهم مُهمهم لأنهم لم يسعوا في أن يَبلغهم على الوجه الصحيح؛ ففعل { لا يعلمون } غير متطلب مفعولاً بل هو منزل منزلة اللازم لأن المعنى لا علم عندهم على نحو ما قرر في نظيره في أول هذه السورة .
والمراد ب { أكثر الناس } المشركون إذ أعرضوا عن دعوة الإسلام ، وأهلُ الكتاب إذ أبوا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة أديانهم بعد إبطالها لانتهاء صلاحية تفاريعها بانقضاء الأحوال التي شرعت لها انقضاء لا مطمع بعده لأن تعود .
ومقابل { أكثر الناس } هم المؤمنون ، وشرذمة من علماء أهل الكتاب علموا أحقية الإسلام وبقُوا على أديانهم عناداً : فهم يعلمون ويكابرون ، أو تحيُّراً : فهم في شك بين علم وجهل .
- إعراب القرآن : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
«فَأَقِمْ» الفاء حرف استئناف «فَأَقِمْ» أمر فاعله مستتر «وَجْهَكَ» مفعول به والجملة مستأنفة «لِلدِّينِ» متعلقان بالفعل «حَنِيفاً» حال «فِطْرَتَ» مفعول به لفعل محذوف أي اتبعوا «اللَّهِ» لفظ جلالة مضاف إليه «الَّتِي» صفة فطرة «فَطَرَ» ماض فاعله مستتر «النَّاسَ» مفعول به والجملة صلة «عَلَيْها» متعلقان بالفعل «لا» نافية للجنس «تَبْدِيلَ» اسمها المبني على الفتح «لِخَلْقِ» متعلقان بمحذوف خبر لا «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة حال «ذلِكَ الدِّينُ» مبتدأ وخبره والجملة مستأنفة «الْقَيِّمُ» صفة. «وَلكِنَّ» الواو حرف استئناف ولكن حرف مشبه بالفعل «أَكْثَرَ» اسمه المضاف «النَّاسَ» مضاف إليه «لا» نافية «يَعْلَمُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة الفعلية خبر لكن والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
- English - Sahih International : So direct your face toward the religion inclining to truth [Adhere to] the fitrah of Allah upon which He has created [all] people No change should there be in the creation of Allah That is the correct religion but most of the people do not know
- English - Tafheem -Maududi : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30:30) (O Prophet and his followers), *42 turn your face singlemindedly *43 to the true Faith *44 and adhere to the true nature on which Allah has created human beings. *45 The mould fashioned by Allah cannot be altered. *46 That is the True, Straight Faith, *47 although most people do not know.
- Français - Hamidullah : Dirige tout ton être vers la religion exclusivement [pour Allah] telle est la nature qu'Allah a originellement donnée aux hommes - pas de changement à la création d'Allah - Voilà la religion de droiture; mais la plupart des gens ne savent pas
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : So richte dein Gesicht aufrichtig zur Religion hin als Anhänger des rechten Glaubens - gemäß der natürlichen Anlage Allahs in der Er die Menschen er schaffen hat Keine Abänderung gibt es für die Schöpfung Allahs Das ist die richtige Religion Aber die meisten Menschen wissen nicht
- Spanish - Cortes : ¡Profesa la Religión como hanif según la naturaleza primigenia que Alá ha puesto en los hombres No cabe alteración en la creación de Alá Ésa es la religión verdadera Pero la mayoría de los hombres no saben
- Português - El Hayek : Volta o teu rosto para a religião monoteísta É a obra de Deus sob cuja qualidade inata Deus criou a humanidade Acriação feita por Deus é imutável Esta é a verdadeira religião; porém a maioria dos humanos o ignora
- Россию - Кулиев : Обрати свой лик к религии как ханиф Таково врожденное качество с которым Аллах сотворил людей Творение Аллаха не подлежит изменению Такова правая вера но большинство людей не знают этого
- Кулиев -ас-Саади : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
Обрати свой лик к религии, как ханифы. Таково врожденное качество, с которым Аллах сотворил людей. Творение Аллаха не подлежит изменению. Такова правая вера, но большинство людей не знают этого.Всевышний повелел быть искренним во всех начинаниях и исповедовать религию надлежащим образом. Эта религия зиждется на покорности, вере и добродетели. А для того, чтобы ее исповедовать, человек должен поклоняться Аллаху душой и телом. Он должен совершать намаз, выплачивать закят, соблюдать пост, отправляться в паломничество и выполнять другие религиозные предписания, а также любить и страшиться Аллаха, надеяться на Него и раскаиваться перед Ним. При этом он должен поклоняться своему Господу так, как будто видит Его. И хотя он не видит своего Господа, Господь видит его. Аллах повелел Своим рабам обратить лик к религии, потому что это не возможно до тех пор, пока человек не обратится к религии всей душой. Если же он обратится к религии ликом и душой, то вслед за этим он устремится к ней всем телом. Поэтому Всевышний Аллах подчеркнул, что делать это надлежит искренне ради Аллаха, а не ради достижения иных целей. Именно стремление к этому заложено в человеческом подсознании, и поэтому люди всегда осознают прелесть Божьих законов и порочность всего, что противоречит им. Это распространяется абсолютно на все предписания, касающиеся как души, так и тела, потому что Всевышний Аллах привил своим творениям любовь к истине и научил их отдавать предпочтение истине над ложью. В этом состоит природа человеческой души. Если же человек противится своей природе и поступает против велений разума, то его душа начинает разлагаться, и поэтому Пророк Мухаммад, да благословит его Аллах и приветствует, сказал: «Каждый младенец рождается с природной склонностью [к Единобожию], а его родители делают из него иудея, христианина или огнепоклонника». Никому не дозволено изменять облик Божьих творений. Таков прямой путь, который ведет к Аллаху и славной Райской обители. И если человек обращает свой лик к религии Аллаха, то он становится на прямой путь. Однако многие люди не знают истинной веры, а если и знают, то все равно отказываются исповедовать ее.
- Turkish - Diyanet Isleri : Hakka yönelerek kendini Allah'ın insanlara yaratılışta verdiği dine ver Zira Allah'ın yaratışında değişme yoktur; işte dosdoğru din budur fakat insanların çoğu bilmezler
- Italiano - Piccardo : Rivolgi il tuo volto alla religione come puro monoteista natura originaria che Allah ha connaturato agli uomini; non c'è cambiamento nella creazione di Allah Ecco la vera religione ma la maggior parte degli uomini non sa
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهی ئینسان بهدڵێکی پاك و بێگهردهوه ڕوو بکهره بهرنامهو ئاینی خواو ئهملاولا مهکه خهڵکینه ئێوهش پابهندی ئهو نهخشهیه بن که خوا ئێوهی لهسهر دروست کردووه واته قورئان کهتهلۆك و نهخشهی ژیانی ئادهمیزادهکانه لێی لامهدهن هیچ جۆره گۆڕانکاریهك له هیچ نهخشهو دروستکراوێکی خوادا نی یه ئا ئهوهیه دینی ڕاست و دروست بهڵام زۆربهی خهڵکی ئهم ڕاستیانه نازانن
- اردو - جالندربرى : تو تم ایک طرف کے ہوکر دین خدا کے رستے پر سیدھا منہ کئے چلے جاو اور خدا کی فطرت کو جس پر اس نے لوگوں کو پیدا کیا ہے اختیار کئے رہو خدا کی بنائی ہوئی فطرت میں تغیر وتبدل نہیں ہو سکتا۔ یہی سیدھا دین ہے لیکن اکثر لوگ نہیں جانتے
- Bosanski - Korkut : Ti upravi lice svoje vjeri kao pravi vjernik vjeri djelu Allahovu prema kojoj je On ljude načinio – ne treba se mijenjati Allahova vjera jer to je prava vjera ali većina ljudi to ne zna –
- Swedish - Bernström : GE DIG hän med hela din själ [du som söker sanningen] åt den rena ursprungliga tron den tro som Gud vid skapelsen lade ned som en naturens norm i människan ingenting kan rubbas i Guds skapelse Detta är den evigt sanna tron men de flesta människor vet ingenting [om detta]
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Maka hadapkanlah wajahmu dengan lurus kepada agama Allah; tetaplah atas fitrah Allah yang telah menciptakan manusia menurut fitrah itu Tidak ada peubahan pada fitrah Allah Itulah agama yang lurus; tetapi kebanyakan manusia tidak mengetahui
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(Maka hadapkanlah) hai Muhammad (wajahmu dengan lurus kepada agama Allah) maksudnya cenderungkanlah dirimu kepada agama Allah, yaitu dengan cara mengikhlaskan dirimu dan orang-orang yang mengikutimu di dalam menjalankan agama-Nya (fitrah Allah) ciptaan-Nya (yang telah menciptakan manusia menurut fitrah itu) yakni agama-Nya. Makna yang dimaksud ialah, tetaplah atas fitrah atau agama Allah. (Tidak ada perubahan pada fitrah Allah) pada agama-Nya. Maksudnya janganlah kalian menggantinya, misalnya menyekutukan-Nya. (Itulah agama yang lurus) agama tauhid itulah agama yang lurus (tetapi kebanyakan manusia) yakni orang-orang kafir Mekah (tidak mengetahui) ketauhidan atau keesaan Allah.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : তুমি একনিষ্ঠ ভাবে নিজেকে ধর্মের উপর প্রতিষ্ঠিত রাখ। এটাই আল্লাহর প্রকৃতি যার উপর তিনি মানব সৃষ্টি করেছেন। আল্লাহর সৃষ্টির কোন পরিবর্তন নেই। এটাই সরল ধর্ম। কিন্তু অধিকাংশ মানুষ জানে না।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : ஆகவே நீர் உம்முகத்தை தூய இஸ்லாமிய மார்க்கத்தின் பக்கமே முற்றிலும் திருப்பி நிலைநிறுத்துவீராக எந்த மார்க்கத்தில் அல்லாஹ் மனிதர்களைப் படைத்தானோ அதுவே அவனுடைய நிலையான இயற்கை மார்க்கமாகும்; அல்லாஹ்வின் படைத்தலில் மாற்றம் இல்லை அதுவே நிலையான மார்க்கமாகும் ஆனால் மனிதரில் பெரும்பாலோர் இதை அறியமாட்டார்கள்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ดังนั้น เจ้าจงผินหน้าของเจ้าสู่ศาสนาที่เที่ยงแท้ โดยเป็น ธรรมชาติของอัลลอฮฺ ซึ่งพระองค์ทรงสร้างมนุษย์ขึ้นมา ไม่มีการเปลี่ยนแปลงในการสร้างของอัลลอฮฺ นั่นคือศาสนาอันเที่ยงตรง แต่ส่วนมากของมนุษย์ไม่รู้
- Uzbek - Мухаммад Содик : Бас сен ҳаққа мойил бўлиб динга юз тут Бу Аллоҳ одамларни яратган асил табиатдир Аллоҳнинг яратганини ўзгартириб бўлмас Ушбу тўғри диндир Лекин одамларнинг кўпи билмаслар Мушрик кофир ва бошқалар ҳавойи нафсга эргашиб ўзлариникини маъқуллайверади уларнинг барини эътиборсиз қолдириб ҳақ динга юзлан Аллоҳ одамларнинг асил табиатларига Исломни ягона Аллоҳга иймон келтиришни жойлаган Аллоҳга ширк келтириш эса инсоннинг асил табиатига зид бўлиб илмсизлик ва ҳавойи нафсга эргашиш оқибатида пайдо бўлади
- 中国语文 - Ma Jian : 你应当趋向正教,(并谨守)真主所赋予人的本性。真主所创造的,是不容变更的;这才是正教,但人们不半不知道。
- Melayu - Basmeih : Setelah jelas kesesatan syirik itu maka hadapkanlah dirimu engkau dan pengikutpengikutmu wahai Muhammad ke arah ugama yang jauh dari kesesatan; turutlah terus ugama Allah iaitu ugama yang Allah menciptakan manusia dengan keadaan bersedia dari semulajadinya untuk menerimanya; tidaklah patut ada sebarang perubahan pada ciptaan Allah itu; itulah ugama yang betul lurus tetapi kebanyakan manusia tidak mengetahui
- Somali - Abduh : ee Wajigaaga u jeedi Diinta adoo toosan Diintu waa abuuridda Eebe ee Dadka uu ku abuuray wax badali kara abuurka Eebana ma jiro saasina waa Diinta toosan laakiin dadka babidiis ma oga
- Hausa - Gumi : Sabõda haka ka tsayar da fuskarka ga addini kanã mai karkata zuwa ga gaskiya halittar Allah da Ya halitta mutãne a kanta Bãbu musanyãwa ga halittar Allah wannan shĩ ne addini madaidaici kuma amma mafi yawan mutãne ba su sani ba
- Swahili - Al-Barwani : Basi uelekeze uso wako sawasawa kwenye Dini ndilo umbile la Mwenyezi Mungu alilo waumbia watu Hapana mabadiliko katika uumbaji wa Mwenyezi Mungu Hiyo ndiyo Dini iliyo nyooka sawa Lakini watu wengi hawajui
- Shqiptar - Efendi Nahi : Drejtohu me përkushtim në fenë e drejtë krijimtarinë e Perëndisë sipas të cilës Ai i ka krijuar njerëzit S’ka ndryshim në krijimtarinë e Perëndisë Kjo është fe e drejtë por shumica e njerëzve nuk e dinë
- فارسى - آیتی : به يكتاپرستى روى به دين آور. فطرتى است كه خدا همه را بدان فطرت بيافريده است و در آفرينش خدا تغييرى نيست. دين پاك و پايدار اين است. ولى بيشتر مردم نمىدانند.
- tajeki - Оятӣ : Ба яктопарастӣ рӯй ба дин овар. Фитратест, ки Худо ҳамаро ба он фитрат биёфаридааст ва дар офариниши Худо тағйире нест. Дини поку пойдор ин аст. Вале бештари мардум намедонанд!
- Uyghur - محمد صالح : باتىل دىنلاردىن بۇرۇلۇپ ئىسلام دىنىغا يۈزلەنگىن، اﷲ نىڭ دىنىغا (ئەگەشكىنكى) اﷲ ئىنسانلارنى شۇ دىن بىلەن ياراتقان، اﷲ نىڭ ياراتقىنىدا ئۆزگىرىش بولمايدۇ، بۇ توغرا دىندۇر، لېكىن ئىنسانلارنىڭ تولىسى بىلمەيدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : അതിനാല് ശ്രദ്ധയോടെ നീ നിന്റെ മുഖം ഈ മതദര്ശനത്തിനുനേരെ ഉറപ്പിച്ചുനിര്ത്തുക. അല്ലാഹു മനുഷ്യരെ പടച്ചത് ഏതൊരു പ്രകൃതിയിലൂന്നിയാണോ ആ പ്രകൃതിതന്നെയാണ് ഇത്. അല്ലാഹുവിന്റെ സൃഷ്ടിഘടനക്ക് മാറ്റമില്ല. ഇതുതന്നെയാണ് ഏറ്റം ചൊവ്വായ മതം. പക്ഷേ; ജനങ്ങളിലേറെ പേരും അതറിയുന്നില്ല.
- عربى - التفسير الميسر : فاقم ايها الرسول انت ومن اتبعك وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك وهو الاسلام الذي فطر الله الناس عليه فبقاوكم عليه وتمسككم به تمسك بفطره الله من الايمان بالله وحده لا تبديل لخلق الله ودينه فهو الطريق المستقيم الموصل الى رضا الله رب العالمين وجنته ولكن اكثر الناس لا يعلمون ان الذي امرتك به ايها الرسول هو الدين الحق دون سواه
*42) This "so" implies that when the reality has become clear to you, and you have come to know that none but Allah is the Creator and Master and Sovereign of this universe and of man himself, then inevitably your conduct should be such as indicated in this verse.
*43) "Set your face. .truly": "Do not turn your face to any other direction after you have .adopted this way of life. ' Then you should think like a Muslim and your likes and dislikes should be of a Muslim. Your values and standards should be the ones set by Islam and your character and conduct should bear the stamp of lslam, and the affairs of your individual and collective life should be ordered according to the way taught by Islam."
*44) "This Faith": the Faith that the Qur'an presents, in which none but Allah is worthy of worship and obedience, in which none can be held as an associate of Allah in His Divinity, in His attributes and His powers and rights, in which man by his own free will chooses to order his life in accordance with the Guidance and Law of Allah.
*45) That is, "All human beings have been created on the nature that none but One Allah is their Creator and Lord and Deity. You should be steadfast on this nature. If you adopt the attitude of independence, you will be following a way opposed to your nature, and if you serve and worship another besides Allah, then also you will be working against your nature." This subject has been explained by the Holy Prophet in a number of Ahadith, According to Bukhari and Muslim,the Holy Prophet said: "Every child who is born, is born on we human nature; it is his parents who make him a Jew or a Christian or a Magian, etc. afterwards. Its example is of an animal which gives birth to complete and sound young ones - none is born with torn and cut off ears-but the mushriks tear their ears afterwards on account of their superstitions of ignorance."
According to another Hadith reported in Musnad Ahmad and Nasa'i, the Muslims in a war killed even the children of the enemy. When the Holy Prophet came to know of it, he became very angry, and said: "What has happened to the people that they have transgressed the limits and killed even the children?" A man said, "Sir, were they not the children of the Mushriks?" The Holy Prophet replied: "Even the best of your people are the children of the mushriks!"Then he said: "Every living being is born on we nature: then when he becomes able to speak, his parents turn him into a Jew or a Christian."
In another Hadith which has been reported by lmam Ahmad on the authority of 'Ayad bin Himar-ul-Mujashi'i, it has been related that one day the Holy Prophet said during an address: "My Lord says: I had created aII My servants on true Faith; then the satans came and led them astray from their Faith, and made unlawful what I had made lawful for them, and commanded them to associate with Me those for whom I have seat down no authority'."
*46) That is, "God has made man His servant and created him only for his own service. This natural disposition of man cannot be altered, howe ver hard one may try. Neither can man effect a change in his position of a servant, nor can anything other than God become his God in the real sense. Man may make for himself as many gods as he may please, but the fact remains that he is the servant of none but One God alone. Man by his own folly and ignorance may regard anyone as holder of Divine attributes and powers and take any one as the maker and un-maker of his destiny, but the fact of the matter is that neither does anyone other than AIIah possess Divine attributes nor His authority, nor has anyone else the power to make or mat the destiny of man."
Another translation of this verse can be: "Do not effect any alteration in the Nature trade by Allah." That is, it is not right to corrupt and spoil the Nature on which Allah has created man.
*47) "Right and true Faith": To remain steadfast on one's true Nature.