القرطبى : يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون قوله تعالى يابني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون فيه اربع مسائل الاولى قوله تعالى يابني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم قال كثير من العلماء هذه الايه دليل على وجوب ستر العوره ; لانه قال يواري سواتكم وقال قوم انه ليس فيها دليل على ما ذكروه بل فيها دلاله على الانعام فقط قلت القول الاول اصح ومن جمله الانعام ستر العوره ; فبين انه سبحانه وتعالى جعل لذريته ما يسترون به عوراتهم ودل على الامر بالستر ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العوره عن اعين الناس واختلفوا في العوره ما هي فقال ابن ابي ذئب هي من الرجل الفرج نفسه القبل والدبر دون غيرهما وهو قول داود واهل الظاهر وابن ابي عبله والطبري ; لقوله تعالى لباسا يواري سواتكم بدت لهما سواتهما ليريهما سواتهما وفي البخاري عن انس فاجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وفيه ثم حسر الازار عن فخذه حتى اني انظر الى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال مالك السره ليست بعوره واكره للرجل ان يكشف فخذه بحضره زوجته وقال ابو حنيفه الركبه عوره وهو قول عطاء وقال الشافعي ليست السره ولا الركبتان من العوره على الصحيح وحكى ابو حامد الترمذي ان للشافعي في السره قولين وحجه مالك قوله عليه السلام لجرهد غط فخذك فان الفخذ عوره خرجه البخاري تعليقا وقال حديث انس اسند وحديث جرهد احوط حتى يخرج من اختلافهم وحديث جرهد هذا يدل على خلاف ما قال ابو حنيفه وروي ان ابا هريره قبل سره الحسن بن علي وقال اقبل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك فلو كانت السره عوره ما قبلها ابو هريره ولا مكنه الحسن منها واما المراه الحره فعوره كلها الا الوجه والكفين على هذا اكثر اهل العلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من اراد ان يتزوج امراه فلينظر الى وجهها وكفيها ولان ذلك واجب كشفه في الاحرام وقال ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كل شيء من المراه عوره حتى ظفرها وروي عن احمد بن حنبل نحوه واما ام الولد فقال الاثرم سمعته يعني احمد بن حنبل يسال عن ام الولد كيف تصلي فقال تغطي راسها وقدميها ; لانها لا تباع وتصلي كما تصلي الحره واما الامه فالعوره منها ما تحت ثدييها ولها ان تبدي راسها ومعصميها وقيل حكمها حكم الرجل وقيل يكره لها كشف راسها وصدرها وكان عمر رضي الله عنه يضرب الاماء على تغطيتهن رءوسهن ويقول لا تشبهن بالحرائر وقال اصبغ ان انكشف فخذها اعادت الصلاه في الوقت وقال ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كل شيء من الامه عوره حتى ظفرها وهذا خارج عن اقوال الفقهاء ; لاجماعهم على ان المراه الحره لها ان تصلي المكتوبه ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله تباشر الارض به فالامه اولى وام الولد اغلظ حالا من الامه والصبي الصغير لا حرمه لعورته فاذا بلغت الجاريه الى حد تاخذها العين وتشتهى سترت عورتها وحجه ابي بكر بن عبد الرحمن قوله تعالى يايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المومنين يدنين عليهن من جلابيبهن وحديث ام سلمه انها سئلت ماذا تصلي فيه المراه من الثياب فقالت تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها وقد روي مرفوعا والذين اوقفوه على ام سلمه اكثر واحفظ ; منهم مالك وابن اسحاق وغيرهما قال ابو داود ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد عن امه عن ام سلمه انها سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابو عمر عبد الرحمن هذا ضعيف عندهم ; الا انه قد خرج البخاري بعض حديثه والاجماع في هذا الباب اقوى من الخبر الثانيه قوله تعالى انزلنا عليكم لباسا يعني المطر الذي ينبت القطن والكتان ويقيم البهائم الذي منها الاصواف والاوبار والاشعار ; فهو مجاز مثل وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج على ما ياتي وقيل هذا الانزال انزال شيء من اللباس مع ادم وحواء ليكون مثالا لغيره وقال سعيد بن جبير انزلنا عليكم اي خلقنا لكم ; كقوله وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج اي خلق على ما ياتي وقيل الهمناكم كيفيه صنعته الثالثه قوله تعالى وريشا قرا ابو عبد الرحمن والحسن وعاصم من روايه المفضل الضبي وابو عمرو من روايه الحسين بن علي الجعفي ورياشا ولم يحكه ابو عبيد الا عن الحسن ولم يفسر معناه وهو جمع ريش وهو ما كان من المال واللباس وقال الفراء ريش ورياش كما يقال لبس ولباس وريش الطائر ما ستره الله به وقيل هو الخصب ورفاهيه العيش والذي عليه اكثر اهل اللغه ان الريش ما ستر من لباس او معيشه وانشد سيبويه فريشي منكم وهواي معكم وان كانت زيارتكم لماما وحكى ابو حاتم عن ابي عبيده وهبت له دابه بريشها ; اي بكسوتها وما عليها من اللباس الرابعه قوله تعالى وريشا ولباس التقوى ذلك خير بين ان التقوى خير لباس ; كما قال اذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا وخير لباس المرء طاعه ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهني قال لباس التقوى الحياء وقال ابن عباس لباس التقوى هو العمل الصالح وعنه ايضا السمت الحسن في الوجه وقيل ما علمه عز وجل وهدى به وقيل لباس التقوى لبس الصوف والخشن من الثياب مما يتواضع به لله تعالى ويتعبد له خير من غيره وقال زيد بن علي لباس التقوى الدرع والمغفر ; والساعدان والساقان يتقى بهما في الحرب وقال عروه بن الزبير هو الخشيه لله وقيل هو استشعار تقوى الله تعالى فيما امر به ونهى عنه قلت وهو الصحيح واليه يرجع قول ابن عباس وعروه وقول زيد بن علي حسن فانه حض على الجهاد وقال ابن زيد هو ستر العوره وهذا فيه تكرار اذ قال اولا قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم ومن قال انه لبس الخشن من الثياب فانه اقرب الى التواضع وترك الرعونات فدعوى ; فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى على ما ياتي مبينا ان شاء الله تعالى وقرا اهل المدينه والكسائي لباس بالنصب عطفا على لباسا الاول وقيل انتصب بفعل مضمر ; اي وانزلنا لباس التقوى والباقون بالرفع على الابتداء و ذلك نعته و خير خبر الابتداء والمعنى ولباس التقوى المشار اليه الذي علمتموه خير لكم من لباس الثياب التي تواري سواتكم ومن الرياش الذي انزلنا اليكم ; فالبسوه وقيل ارتفع باضمار " هو " اي وهو لباس التقوى ; اي هو ستر العوره وعليه يخرج قول ابن زيد وقيل المعنى ولباس التقوى هو خير ; ف ذلك بمعنى هو والاعراب الاول احسن ما قيل فيه وقرا الاعمش ولباس التقوى خير ولم يقرا ذلك وهو خلاف المصحف ذلك من ايات الله اي مما يدل على ان له خالقا و ذلك رفع على الصفه او على البدل او عطف بيان